
علينا أحيانا أن نقول الحقيقة، حتى إن لم تكن تعجبنا. من دون ذلك، لن نصل إلى الحقيقة أبدا. النضال من أجل فلسطين، رغم تضحياته، لم يوقف نزيف الدم، ولم ينجح في منع الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل.
أمام هذه الحقيقة المؤلمة، يبدو أن لا شيء له معنى. نعم، هذا صحيح، لكن علينا أن نعيد النظر في الأمر في ضوء الظروف التي نعيشها.
المظاهرات في الشوارع، احتجاجات الفنانين، التجمعات الجماهيرية، أسطول "الصمود"، بيانات الإدانة، وقرارات الاعتراف بدولة فلسطين التي صدرت هذا الأسبوع في الأمم المتحدة.. لا ينبغي أن نستخف بكل ذلك لمجرد أنه لم يُوقف المجازر. فلكل فعل من هذه الأفعال معنى يتراكم قطرة بعد أخرى.
من المؤسف أن دولنا لا تتخذ تدابير صارمة ضد إسرائيل. لا نملك حاملات طائرات، ولا أسلحة نووية، ولا شبكات مالية كبرى. لكن صمت الدول لا يعني أن نصمت نحن. علينا أن نقوم بما نستطيع، فذلك واجبنا. ولذلك، فإن لكل كلمة، ولكل فعل، ولكل مبادرة، قيمة ومعنى.
لكل جهد من أجل فلسطين معنى
نحن نشهد الآن أكبر حركة ضمير شهدها العالم.
في اليابان، يقف موسيقي كل يوم أمام سفارة إسرائيل منفردا محتجا. فنان شهير يعلن أنه لن يعمل مع شركات الإنتاج المؤيدة لإسرائيل بعد الآن. طفل يصنع مجسما ورقيا لأسطول "الصمود". أم تلبس طفلها ملابس بألوان العلم الفلسطيني. موسيقار يؤلف لحنا، ومطرب يغنيه.
الناس يشاركون يوميا، بكبيرهم وصغيرهم، في دعم فلسطين. كل هذه الجهود انتشرت كالأمواج في أنحاء العالم، من دولة إلى أخرى، ومن شعب إلى شعب.
البعض يرى أن هذا لم يوقف احتلال غزة، وبالتالي ليس مهما. لكن هذه نظرة خاطئة. ما نراه اليوم يُشكّل وعيا فلسطينيا لم يسبق له مثيل في التاريخ. كراهية إسرائيل أصبحت ظاهرة شعبية متنامية.
فكّروا جيدا فيما يعنيه هذا للمستقبل. كل طفل في العالم يعرف الآن أن إسرائيل تقتل الأطفال في غزة. كل امرأة باتت تدرك أن إسرائيل تقتل نساء بريئات. كل أب وأم يدركون أن إسرائيل حرمت آباء وأمهات فلسطينيين من أبنائهم.
مستقبل إسرائيل سيكون مظلما، والقضية الفلسطينية نضال طويل الأمد لا يُختصر في عمر جيل واحد.
ما معنى الاعتراف بدولة فلسطين؟
يقول البعض: "وماذا يفيد أن تعترف بريطانيا، وفرنسا وغيرهما بدولة فلسطين؟ لن يتغيّر شيء".
صحيح أن 147 دولة اعترفت سابقا بدولة فلسطين ومع ذلك واصلت إسرائيل احتلال غزة. لكن الاعترافات الجديدة، رغم معارضة الولايات المتحدة وتهديدات إسرائيل، تحمل دلالة قوية.
لو لم تكن ذات أهمية، لما ألغت الولايات المتحدة تأشيرات وفد فلسطين في الأمم المتحدة، ولما فقد نتنياهو أعصابه وراح يطلق التهديدات. هذه الاعترافات دليل على هزيمة دبلوماسية تعيشها إسرائيل والولايات المتحدة، رغم قوتهما.
صوت الشعوب سُمع في الميدان وفي الدبلوماسية
في شوارع فرنسا وبريطانيا والبرتغال وكندا، لم تتوقف الأصوات المطالبة بالعدالة لفلسطين. هذه الاحتجاجات دفعت حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطين. إنها قوة الشعوب التي فرضت على الدول أن تُغيّر موقفها.
هذه المظاهرات ستزداد، وستؤدي في النهاية إلى فرض عقوبات على إسرائيل. ولن تتأثر صورة إسرائيل وحدها، بل ستتضرر أيضا صورة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية. ومع تراجع هيبتها، سيزداد الضغط على حكامها. فلا حكومة تستطيع أن تتجاهل غضب ناخبيها.
استعدوا لنضال طويل النفس
القضية الفلسطينية مستمرة منذ نحو مئة عام، منذ احتلال بريطانيا للقدس. ومنذ تأسيس إسرائيل والمنطقة تنزف دما.
لا ينبغي لأحد أن يتوقع حلا فوريا لهذا الصراع. نتنياهو نفسه قال: "نناضل منذ ألفي عام لتأسيس دولتنا في القدس". وإذا كانوا قد ناضلوا لهذه الغاية طيلة قرون، فعلى المسلمين أن يُكافحوا بنفس طويل من أجل دولة فلسطين والقدس، مدينة السلام.
لكن تحرير القدس لن يستغرق قرونا كما يتمنى الإسرائيليون، بل سنشهد ذلك بأعيننا بإذن الله.