اثنين, 2025/09/01 - 01:36
أعلن النائب بيرام الداه اعبيد في تصريح أدلى به يوم أمس في بروكسيل، وبنبرة قاطعة، أنه لا يعوِّل على المواطنين ولا على الجماهير ولا على النظام القائم. هذا الموقف يطرح تساؤلات جوهرية حول استراتيجيته السياسية في المرحلة الراهنة.
إشكالية الرهان الانتخابي
من الناحية النظرية، يُفترض أن الفاعل السياسي الذي يسعى إلى موقع انتخابي يعتمد على قاعدة الناخبين باعتبارها الوسيلة الشرعية الوحيدة للوصول إلى السلطة. غير أن تصريح بيرام، القائل بعدم تعويله على الجماهير، يشي بأن صناديق الاقتراع لا تمثل بالنسبة له الرهان المركزي. وهو ما يثير احتمال توجهه إلى بدائل أخرى تقوم على التصعيد السياسي أو استثمار الأزمات كتكتيك ممنهج.
تداعيات خيار التصعيد
اختيار هذا المسار ينطوي على مخاطر متعددة الأبعاد:
العزلة والتطرف: اعتماد خطاب متشدد يضعه منطقيا في تناقض مع صورته التي يسعى منذ فترة لترسيخها كـ"زعيم سياسي ناضج ومسؤول". كما قد يعرقل محاولاته الأخيرة لبناء قنوات تواصل مع أطراف سياسية معتدلة لا تتبنى نفس خطابه.
القيود الناجمة عن مواجهة الدولة: الأجهزة الأمنية والقضاء ملزمان بالتدخل عند أي خطاب أو سلوك يمس السلم والأمن العام. تجارب بيرام السابقة، هو وتابعوه السائرون في مداره السياسي، مع هذه المؤسسات، تعزز احتمالَ عودتهم لمواجهة قيود مماثلة إذا أعادوا تبني ذات النهج.
تراجع المكاسب الخارجية: ما كان يشكّل سابقاً رصيداً سياسياً – مثل التضامن الغربي في حال تعرضه لعقوبات – لم يعد يوفر نفس العائد. ضعف التفاعل الغربي مع خطابه الناري الأخير في بروكسيل مؤشر على تآكل هذا الرصيد.
استراتيجيات محتملة
رغم هذه المخاطر، يبقى توظيف الخطاب التصعيدي وارداً كجزء من استراتيجيته الإعلامية، بالنظر إلى ما يوفره من قدرة على الضغط غير المباشر على الدولة والمجتمع. لكن استمرار هذا النهج قد يُفضي إلى نتائج عكسية، من بينها فقدان الشرعية الداخلية وتضاؤل الدعم الخارجي.
خاتمة
يتضح أن النائب بيرام الداه اعبيد يقف عند مفترق طرق: بين الرهان على العملية الانتخابية بمحدداتها القانونية والدستورية وبين اعتماد خطاب تصعيدي قائم على منطق الأزمات. ويبدو الخيار الثاني أكثر ترجيحا. وهو ما يطرح سؤالا مصيريا بالسبة له ولتعامل الدولة معه: إلى أي مدى يمكن أن يخدمه هذا النهج دون أن يقوّض طموحاته السياسية، وكيف ستتعاطى الدولة معه؟
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)