المفكر الصيني وانغ هواي: ناقد من الداخل يدعو لصناعة نموذج صيني فريد للتنمية والديمقراطية

اثنين, 08/04/2025 - 23:15

يُعتبر وانغ هواي واحدًا من أبرز المفكرين الصينيين المعاصرين، حيث يطرح قراءات نقدية ثاقبة لمسار الحداثة في الصين وعلاقتها بالغرب والعولمة، من منطلق إيمانه بضرورة العودة إلى الجذور الاشتراكية لتعبيد طريق خاص للصين نحو المستقبل. ولد وانغ في 1959 بمقاطعة جيانغسو، وتدرّج في مسيرته الأكاديمية حتى أصبح أستاذًا متميزًا في جامعة تسينغهوا، حيث يشرف على العديد من البرامج المتعددة التخصصات.

يشتهر وانغ بدوره في تجديد النقاشات الفكرية في الصين، لا سيما من خلال ترؤسه تحرير مجلة "القراءة" التي كانت منصة أساسية للنقاشات الفكرية في البلاد بين 1996 و2007. منذ مقالته المفصلية عام 1997، التي دافع فيها عن طريق صيني للحداثة بعيدًا عن استعمار وعي الحداثة الغربية الرأسمالية، بات صوت وانغ مرجعًا في ما يُعرف باليسار الجديد، الذي يجمع بين النقد الاجتماعي والاقتصادي للسياسات الليبرالية ورغبة في توفير عدالة اجتماعية أعمق في الصين.

اختبر وانغ في صباه تبعات الثورة الثقافية، وتعرض للنفي الريفي الذي شكل محطة حاسمة في وعيه السياسي والاجتماعي، حيث عاش بين الفلاحين ومدْى الفقر ومعاناة المجتمعات الريفية الصينية، ما عزز إيمانه بأهمية العدالة الاجتماعية ونظام الرعاية. كما شارك بشكل مباشر في دعم التحركات العمالية التي ناهضت الخصخصة التي جردت العاملين من حقوقهم.

يؤكد وانغ أن الديمقراطية ليست مجرد تعددية حزبية أو انتخابات دورية، بل هي قدرة السلطة على تمثيل طبقات الشعب ومطالبهم الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية، ويرفض ربطها بالضرورة بالنماذج الليبرالية الغربية. ويمضي في نقده ليصف الحزب الشيوعي الصيني الحالي بـ"حزب دولة" بيروقراطي فقد صلته بالجماهير، داعيًا إلى إعادة النظر في السياسات السياسية التي تتجاهل الطبقة العاملة والفلاحين.

ينتقد وانغ بشدة مفهوم التعددية الاقتصادية والعولمة كما يُروَّج لها في الصين الرسمية، معتبراً أن التبعية للعولمة أدت إلى انهيار الاكتفاء الذاتي للصناعات الوطنية وتعزيز نفوذ رؤوس الأموال الكبيرة على حساب مصالح شعوب آسيا، ويرى أن فكرة "آسيا للآسيويين" تُستخدم أحياناً لتبرير إبعاد التدخلات الغربية لكنها تغفل تعقيدات التداخل التاريخي بين آسيا وأوروبا.

في رؤيته التاريخية، يشدد وانغ على أن القرن العشرين كان نقطة قطيعة محورية أعادت تشكيل الوعي الصيني والسياسة والمجتمع، وأن الصين الحديثة "اخترعت" ماضيها من خلال إعادة قراءة التاريخ وتوظيفه ضمن مشروع وطني، مما منحها أدوات لفهم السيادة والسياسة الحديثة.

وانغ هواي لا ينتمي إلى المناهضين التقليديين للنظام، بل هو ناقد من داخل المجتمع الصيني. هو يسعى لإصلاح جذري يقوم على استعادة الذاكرة الاجتماعية والتاريخية، والاهتمام بالفئات الاجتماعية التي أسهمت في بناء الدولة. يُعبر عن رفضه لأن يكون مجرد "معارض"، معتبراً أن الإصلاح ممكن عبر نقد واعٍ يستند إلى التاريخ والتحليل الطبقي.

باختصار، يقدم وانغ هواي نموذجًا فكريًا صينيًا يسعى إلى التوفيق بين الحداثة والهوية الوطنية، والعدالة الاجتماعية والتنمية، معتمداً على نقد معمّق يستعيد التجربة الاشتراكية في قالب جديد يتجاوز محنها وأخطائها، ويسعى لصياغة مستقبل صيني بديل وثري.

المصدر: الجزيرة

الفيديو

تابعونا على الفيس