الإنترنت الكمي… ثورة المستقبل الرقمي منذ 13 ساعة/هايل علي المذابي

أربعاء, 07/30/2025 - 09:24

في نظرية المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي «التحدي والاستجابة» فـ»إن المجتمعات البدائية لدى مواجهتها تحدياتٍ بيئية أو بشرية معينة تستجيب استجاباتٍ مختلفة، أي إنها تواجه ذلك الحافز بردود فعلٍ تختلف من جماعةٍ إلى أخرى، بعضها سلبية وبعضها إيجابية»؛ وفي علم الأحياء فإن استجابة الكائنات عند حدوث تغييرات وتحديات في بيئتها تنتج عنها ثلاثة احتمالات: الأول الهجرة إلى موائل أخرى، والثاني التكيف والتأقلم الناتج عن تغير جيني (اصطفاء طبيعي) والثالث الانقراض.
وينطبق على الإنسان في كل مجالات الحياة ما ينطبق على جميع الكائنات في ما يخص التحديات التي تواجهها في بيئتها، كما تنطبق عليه آليات الاستجابة ذاتها؛ مثلا تحديات أزمة عام 2008، التي عصفت باقتصاد العالم وأطاحت به كان من أهم أسبابها الفساد المالي والإداري، الذي أوهن نظام المكاتب والشركات كانت الاستجابة لها هي الانتقال إلى موئل جديد تمثل في النظام المعرفي والاقتصاد، الذي يقوم عليه، ويبدو أن ابتكارات التكنولوجيا أهم أدوات النظام المعرفي، جاءت حاملة معها كل الحلول لمكافحة كل أشكال الفساد، التي سادت في الأنظمة السابقة فكانت الحاجة تحديا وكان الاختراع استجابة لها.
ولإن القصور صفة بشرية، فقد ظهرت تحديات جديدة أمام التكنولوجيا في سياقات أمن المعلومات تحديدا؛ وهو تحدٍ يمثل أحد المظاهر الأشد خطرا على أمن وسلامة مجتمعات الإنترنت بكل اتجاهاتها ومجالاتها؛ حيث يمثل أمن المعلومات أكبر تهديد يواجهه الآن، خصوصا بعد أن أصبح القراصنة يرتعون في شبكة الإنترنت، يقتنصون البيانات ويتجسسون على المستخدمين للشبكة العنكبوتية، ويهددونهم ويبتزونهم، بالإضافة لذلك فإن عمليات اختراق البيانات تؤدي إلى خسائر كبيرة يوما بعد آخر في قطاعات كثيرة، وهذا يعد جانبا من جوانب التحدي في بيئة قطاعات الأعمال والشركات والمؤسسات، أما الجانب الآخر فيتمثل في عجز البنى التحتية للاتصالات، عن تلبية احتياجات السوق العالمية المستقبلية، في السياقات كافة، وهنا كان لا بد من التفكير في موئل جديد للإنترنت يعالج تلك المشاكل، ويستجيب لتلك التحديات. ويتمثل هذا الموئل الجديد بما يسمى بـ»الإنترنت الكمي».
يعرف «الإنترنت الكمي» بـ»عملية لنقل البيانات وتخزينها في جسيمات مفردة هي الفوتونات (جسيمات ضوء مفردة) عوضا عن أشعة الضوء المستخدمة حاليا لنقل المعلومات على طول شبكات الألياف الضوئية».

ولعل من المهم توضيح فكرة هذا التعريف وتبسيطها، من حيث أن الإنترنت الكمي، الذي يعتمد على أشعة الضوء في توصيل البيانات تقوم فكرته على فكرة اشتعال الشمس ذاتها، التي تعتمد على ضوء الشمس في توصيل كميات كبيرة من الميكروبات، وهذه الأخيرة هي كائنات تحيا في الليل وتموت في النهار، فالميكرو هو أصغر وحدة قياس والبات، كائنات تنتمي لجنس الخفاش، تحيا في الليل وتموت في النهار؛ ولأجل أن يستمر اشتعال الشمس، لا بد من كميات مهولة من المواد البترولية توفرها هذه الكميات المهولة من الميكروبات، التي تموت نهارا فيمتصها ضوء الشمس وتتغذى عليها، ويستمر التعاقب بين الليل والنهار وتظل تعمل الشمس بهذه الطريقة التي تسمى فيزيائيا بآلية التشابك الكمي. وهي ظاهرة فيزيائية تقوم خلالها الجزيئات (الميكروبات التي يمتصها ضوء الشمس) بالترابط معا بحيث تؤثر على بعضها بصرف النظر عن المسافة التي تقطعها، أي أنها جزئيات يمكن أن تشغل مجموعة من ثنائي (1) أو (0) في الوقت نفسه، بدلا من أحدهما فقط، كما هو الحال في الإنترنت المستخدم حاليا. ولا يختلف حال الإنترنت الكمي عن الحواسيب الكمية، فخلال السنوات الخمس الأخيرة، فرض مصطلح «الحوسبة الكمية Quantum Computing» نفسه بقوة على اهتمام الباحثين والشركات التقنية، باعتبارها فرصة ذهبية للوصول إلى مستويات متقدمة من معالجة البيانات شديدة التعقيد، خلال أقل وقت ممكن. والحواسيب الكمية تختلف عن الحواسيب الشخصية التقليدية إذا أن البيانات تقاس بوحدة «كيوبت Qubit»، وتلك الوحدة يمكنها أن تحمل قيمة واحدة، 0 أو 1، أو تحمل القيمتين معاً في الوقت ذاته، وهذا هو سر قوة الحواسيب الكمية، لقدرتها على معالجة بيانات ضخمة خلال ساعات قليلة، بينما قد يستغرق أقوى حاسوب تقليدي سنوات طويلة لمعالجتها.
وظاهرة التشابك الكمي لجسمين تسمح بالاستجابة على الفور، إذا حدث أي شيء لأي منهما، ويمكن لهذا الاتصال الذي أطلق عليه ألبرت أينشتاين «التأثير المخيف عبر مسافة» Spooky Action at a distance الوجود عبر مسافات شاسعة، ما يجعل الاتصال الكمومي آمنا جدا، وأي محاولة اختراق لتدفق البيانات التي تستخدم التشابك الكمي من شأنه أن يدمر البيانات، وسوف يترك دليلا واضحا على محاولة العبث. ويجري يوميا عبر شبكة الإنترنت الحالية نقل كميات هائلة من البيانات التي تتدفق بسلاسة وسرعة من خلال كابلات الألياف البصرية، التي تربط المدن والدول، ومع ذلك تعاني شبكات البيانات هذه من إمكانية اختراقها.
إن مشروع شبكات الإنترنت الكمومية يضع الأساس الطموح لما يسمى بـ»تحالف الإنترنت الكمومي»، وهي مبادرة تأمل في بناء شبكة إنترنت تسمح بتشغيل تطبيقات الاتصالات الكمية بين أي نقطتين على الأرض، دون اختراق. وتستخدم الشركات المطورة للإنترنت الكمي لتقنية الحوسبة الكمية والميكانيكا الكمومية لجعل شبكة الإنترنت آمنة وغير قابلة للاختراق، وربط العالم بشبكة إنترنت كمومية آمنة من القرصنة.
يذكر أن شركة غوغل أعلنت في 2019 أنها تمكنت من الوصول إلى مرحلة تعرف باسم «السيادة الكمية Quantum Supermacy»، التي تعكس من خلالها أن حاسوبها الكمي تمكن من حل مشكلات وأداء مهام رقمية تعجز الحواسيب التقليدية عن أدائها.. وللحديث بقية.

كاتب يمني

الفيديو

تابعونا على الفيس