
لا تعود خطورة الجريمة المنظمة إلى كونها تضر بالأفراد كاي جريمة، فحسب، بل لكونها أيضا تشكل تحديا عاما له ارتباط وظيفي عميق وقوي بما يعرف بالتهديدات الهجينة؛ وما لتلك الروابط الخطيرة من تداعيات على سياسات الدفاع والأمن في كل بلد.
تعاريف ومؤشرات:
الجريمة المنظمة: أنشطة غير قانونية تقوم بها جماعات منظمة، تهدف إلى تحقيق الربح (مثل الاتجار بالمخدرات، الاتجار بالبشر، الفساد، الجرائم البيئية، إلخ .
وهذا التعريف مشتق من المادة 2 (أ) من «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود» (اتفاقية باليرمو، 2000)، التي تنص على أنه:
"يُقصَد بتعبير "جماعة إجرامية منظَّمة" جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلَّفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، موجودة لفترةٍ من الزمن، وتعمل بصورةٍ متضافرة بهدف ارتكاب واحدةٍ أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرَّمة وفقًا لهذه الاتفاقية، من أجل الحصول – بشكلٍ مباشر أو غير مباشر – على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى".
التهديدات الهجينة: مزيج من الوسائل التقليدية (عسكرية) وغير التقليدية (هجمات الكترونية، تضليل إعلامي، أنشطة إجرامية...) تُستخدم بشكل منسق لزعزعة استقرار دولة أو مؤسسة دون حرب مفتوحة واضحة أو كجزء من الحرب المفتوحة.
سياسات الدفاع والأمن: مجموعة الاستراتيجيات والإجراءات والتدابير الرامية إلى حماية سيادة الدولة واستقرارها ومصالحها في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
علاقة وظيفية: تستغل التهديدات الهجينة البنية التحتية التي توفرها شبكات الجريمة المنظمة، مثل التمويل غير المشروع، تهريب الأسلحة، الشبكات اللوجستية العابرة للحدود... وفي المقابل، تستفيد الجماعات الإجرامية المنظمة من الفوضى والأوضاع الهشة التي تُحدثها الهجمات الهجينة (مثل الهجمات السيبرانية، حملات التضليل، عمليات المساس من مصداقية الدولة وهبتها...) للقيام بنشاطها. وينتج عن التكامل والتعاون بينهما مخاطر تساهم في توفير بيئة مناسبة لكليهما تتمثل في زيادة عوامل زعزعة الاستقرار واضعاف مؤسسات الدولة. مما يتطلب سياسات دفاع وأمن فعالة لمواجهة هذه التحديات وعوامل الهشاشة التي قد تتغذى عليها.
موريتانيا وعوامل الهشاشة الأمنية:
بسبب اتساع مساحة البلد، وطول حدوده البرية الدولية وغياب موانع طبيعية عليها، تشكل مسامية الحدود أهم تحد أمني خارجي تواجهه موريتانيا، خاصة أنها تتقاسم هذه الحدود مع مناطق تشهد أوضاعا أمنية كثيرا ما تدعو إلى القلق: في مالي، وفي الصحراء الغربية على سبيل المثال.
بالإضافة إلى التحديات الجيوسياسية والجغرافية، ينبغي أيضا أن نأخذ في الحسبان عوامل أخرى، بنيوية وظرفية، تتجلى في معطيات ومؤشرات تدل أو تنجم عنها عوامل هشاشة على المستوى الداخلي وما لها من تداعيات على التعاطي مع الجريمة المنظمة والتحديات الأمنية بصورة عامة.
مؤشرات أمنية مباشرة
حسب التصنيفات المختلفة للمؤشرات الأمنية، فإن موريتانيا:
تحتل المرتبة 137 عالميا على مؤشر الجريمة المنظمة والمرتبة 166 من حيث المقاومة ( résilience) لسنة [i]2023، من أصل 193 دولة؛ ويشكل هذا المؤشر أداة تحليلية لتقييم قوة الجريمة المنظمة وتأثيرها في بلد أو منطقة معينة. ويستند إلى عدة معايير، مثل وجود الشبكات الإجرامية، ومستوى نشاطها، وقدرتها على التأثير على المجتمع والمؤسسات.
تحتل المرتبة 75 من أصل 175 دولة على مؤشر التهديدات الأمنية [iii](Security Threats Index) لسنة 2024 بمعدل 5.4/.10. وهذا يضع البلد في المتوسط الأدنى من مجموعة "الخطر المعتدل"، بعيدا جدا عن الأوضاع المقلقة في منطقة الساحل، التي تقع دولة مالي المجاورة في مقدمتها في هذا الترتيب، حيث تحتل رقم 1 بمعدل 9.7/10، وهي أسوء مرتبة.
تحتل المرتبة 34 على مؤشر الدول الهشة (Fragile States Index -FSI)[iv] من أصل 179 دولة بدرجة 87 /120 وهذه هشاشة عالية ، غير أنها أقل سوءا بكثير من الأوضاع المقلقة في الساحل ، مثل مالي (97.3)
تحتل المرتبة 89 من أصل 163 دولة على المؤشر العالمي للإرهاب (GTI[v]) حيث يُصنف الإرهاب في هذا المستوى من الدرجات ''بلا أثر''. بينما تأتي بوركينا فاصو في المرتبة الأولى في صنف ''خطير جدا"، ويحتل النيجر ومالي على التوالي المرتبة 04 والمرتبة 05 ، في درجة "خطير".
مؤشرات ذات صلة غير مباشرة
تحتل موريتانيا المرتبة 12/120 دولة على مؤشر الفقر متعدِّد الأبعاد (IPM) لعام 2024، حيث تبلغ نسبة السكان الفقراء 58.4 % حسب هذا التصنيف.
تحتل المرتبة 14 على مؤشر الضعف المناخي لسنة 2023 (مع تحديثه في 2025). وبهذا التصنيف تقع موريتانيا ضمن 14 دولة الأكثر تعرضا للأضرار والاكراهات الناجمة عن التغير المناخي.
تحتل المرتبة 142 من أصل 188 دولة على مؤشر الهشاشة المؤسساتية لعام 2023. وهذا الترتيب جعل البلد ضمن ربع الدول (25%) الأكثر ضعفا في العالم من حيث التنمية المؤسسية.
المردودية:
كما سبق ذكره، فالمحرك الرئيسي والمحفز لجماعات الجريمة المنظمة هو البحث عن المال. وفيما يلي انواع الجريمة المنظمة الأكثر مردودية. وتختلف المعطيات حسب المصادر. إلا أننا اعتمدنا تلك الصادرة عن آليات من الذكاء الاصطناعي ذكرت أنها جلبت معلوماتها من مصادر رسمية ومعروفة مثل البوليس الدولي، البوليس الأوروبي، منظمة الأمم المتحدة (هيئتها المكلفة بمحاربة الجريمة).
الجريمة المنظمة: ضمن ال ‘’10 الأوائل’’ (top 10)
الجريمة المنظمة: ضمن ال''10 الأوائل (Top 10)
الترتيب
نوع الجريمة المنظمة
المردودية (مليار$)
أمثلة رئيسية / شبكات
بالنسبة لفي موريتانيا
1 الاتجار بالمخدرات 600-400
الكوكايين، الهيروين، القنب، الميثامفيتامينات
عصابات خطيرة على اتصال بشبكات خارجية
2 تقليد السلغ 500-250 السلع الفاخرة، أدوية، ألكترونيات موردون ومستهلكون بدرجة عالية (وطالبون: تقليد القماش مثلا)
3 الاتجار بالبشر 150-100
تهريب المهاجرين، الاستغلال الجنسي، مخلفات العبودية
صورة سيئة، خاصة فيما يتعلق بالعبودية وآثارها
4
الجرائم البيئية
280-110
قطع وحرق الأشجار غير القانوني، التعدين غير المشروع،الصيد البحري الضار، قتل وتهريب الحيوانات البرية
وضع كارثي
5
الجرائم الإلكترونية
200-100
الاحتيال عبر الإنترنت، برامج الفدية، التصيد الاحتيالي، الابتزاز...
حالات من الابتزاز، وتشويه الصورة: من بين ضحاياها الفنانة الشهيرة (...)
6
تهريب النفط والوقود
100-50
سرقة النفط الخام، وقود التهريب
في الشمال: عبر الحدود مع الصحراء الغربية،
7
القرصنة البحرية والسطو المسلح في البحر
30-15
خليج غينيا، مضيق مالاكا، مضيق باب المندب
لم تذكر حالات
8 الابتزاز والجباية غير المشروعة 30-10
المافيا التقليدية (كوزنوسترا، ياكوزا)
؟؟؟؟
9
تهريب الأسلحة
10-5
المافيا التقليدية (كوزنوسترا، ياكوزا)
موجود بدرجة معينة
10
المراهنات غير القانونية
10-5
الرياضة (كرة القدم، الكريكيت، الملاكمة)
؟؟؟؟
بعض الحلول المقترحة:
زيادة التدريب والموارد لصالح قوات الأمن الحدودية وداخل المراكز الحضرية الكبيرة .
تحسين البنية التحتية الأمنية، مثل نشر تقنيات المراقبة (الطائرات بدون طيار، أنظمة الرادار).
تعزيز التنمية الاقتصادية والحكامة الرشيدة مع التركيز على تنمية العدالة الاجتماعية، وعلى المناطق الحدودية للحد من جاذبية الأنشطة غير القانونية.
تعزيز التعاون الإقليمي مع الدول المجاورة لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود.
وطبعا، يستدعي تحقيق هذه الاقتراحات، وكلَّ ما يصب في الأهداف المرجوة من ورائها، اعتمادَ مقاربة شاملة تجمع بين الأمن والتنمية، وبين التعاون الدولي مع التركيز على الاستثمار السليم والفعال للمصادر الذاتية.
عقيد (متقاعد) البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)