مصنع الإبادة الرخيص.. كيف تُهندس الشركات الهندية مذابح غزة؟

سبت, 07/12/2025 - 21:58

مصنع الإبادة الرخيص.. كيف تُهندس الشركات الهندية مذابح غزة؟

في فجر يوم 15 مايو/أيار 2024، توقفت سفينة الشحن "بوركوم" قبالة الساحل الإسباني قرب مدينة كارتاخينا، بينما تجمع عشرات النشطاء على رصيف الميناء حاملين الأعلام الفلسطينية، مطالبين بتفتيش السفينة المشتبه بنقلها أسلحة إلى إسرائيل.

تزامنت هذه الاحتجاجات مع تحركات سياسية، حيث وجّه تسعة نواب أوروبيين رسالة إلى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، دعوا فيها لمنع السفينة من الرسو، معتبرين السماح بعبورها دعمًا ضمنيًا لدولة تُتهم بالإبادة الجماعية في غزة.

وقبل أن يصدر أي ردّ رسمي، غيّرت "بوركوم" وجهتها إلى ميناء كوبر في سلوفينيا، وهو ما عُدّ تأكيدًا غير مباشر على صحة الشبهات حول حمولتها ووجهتها، خاصة بالنظر إلى أن الشحنة انطلقت من الهند.

من الهند إلى غزة
كشف تحقيق لموقع الجزيرة الإنجليزية أن السفينة "بوركوم" شحنت متفجرات من ميناء تشيناي الهندي متجهة إلى ميناء أسدود قرب غزة، متجنبة البحر الأحمر خشية هجمات الحوثيين.

وثائق حصلت عليها "شبكة التضامن ضد الاحتلال في فلسطين" أوضحت أن الشحنة ضمت أكثر من 20 طنا من محركات الصواريخ، و12.5 طنا من قطع غيار الشحنات المتفجرة، و1500 كلغ من المواد شديدة الانفجار، و700 كلغ من شحنات المدفعية. كما كشفت عن بند سري يمنع ذكر اسم "شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية" (IMI)، التي استحوذت عليها "أنظمة إلبيت" لاحقًا.

وتُنتج "إلبيت" مكونات عسكرية بالشراكة مع مصانع هندية، ما يرجّح أن هذه الأسلحة صُنعت في الهند ثم نُقلت إلى إسرائيل لاستخدامها في حرب غزة. وأفادت "يديعوت أحرنوت" بأن الهند زودت إسرائيل منذ بداية الحرب بقذائف وأسلحة وطائرات بدون طيار.

في 21 مايو/أيار، وقعت حادثة مشابهة مع السفينة "ماريان دانيكا"، التي انطلقت من تشيناي وعلى متنها 27 طنا من المتفجرات، متجهة إلى حيفا. منعتها السلطات الإسبانية من دخول الميناء، وأكد وزير الخارجية الإسباني أن قرار المنع جاء بسبب طبيعة الشحنة.

بعد ذلك بأيام، ظهرت صور لصاروخ سقط على ملجأ تابع للأمم المتحدة في غزة، حمل ملصقًا كتب عليه: "صُنع في الهند".

صاروخ "باراك 8" بوقود هندي
تدل هذه الوقائع على دعم هندسي منهجي من الهند للحرب الإسرائيلية، رغم إعلانها الرسمي الحياد. في طليعة هذا الدعم، برزت شركة "برايمر إكسبلوزيفز" المتخصصة في تصنيع المتفجرات ووقود الصواريخ. وقد حصلت على عقود لتوريد مواد شديدة الانفجار، من بينها "آر دي إكس" و"إتش إم إكس"، المستخدمة في القنابل والرؤوس الحربية.

ويُعد صاروخ "باراك 8"، الذي تنتجه الهند وإسرائيل معًا، مثالًا لهذا التعاون. يعتمد الصاروخ على وقود صلب عالي الطاقة، ويوفر قدرة على المناورة واعتراض أهداف جوية معقدة، وقد استُخدم فعليًا في غزة عبر الطرادات الإسرائيلية.

وأظهرت إفصاحات الربع الأول من عام 2024 ارتفاع إيرادات "برايمر" بسبب صادراتها إلى إسرائيل، وصرّح مديرها التنفيذي بأن هذه الإيرادات جاءت نتيجة إتمام الصفقات خلال الحرب.

الحرب على جناح "أداني"
دخلت شركة "أداني إلبيت" على خط الحرب من خلال تصنيع طائرات "هرميس 900" المسيرة، بالتعاون مع "أنظمة إلبيت". وقد صدّرت الشركة مكونات تكفي لتجميع أكثر من 20 طائرة، نُشرت في سماء غزة لتنفيذ ضربات دقيقة واستطلاع مكثف.

ويعود استخدام إسرائيل لهذه المسيّرات إلى حرب 2014، حيث تشير بيانات مركز الميزان إلى أن ثلث الشهداء قُتلوا بواسطة مسيّرات، من بينها "هرميس".

تعاون "أداني" مع "إلبيت" بدأ عام 2018، بإنشاء منشأة مشتركة في حيدر آباد بقيمة 15 مليون دولار، لتكون أول منشأة خارج إسرائيل تُنتج هذه الطائرات. كما شاركت مجموعة "أداني" في مشاريع أخرى، منها تصنيع الأسلحة الخفيفة مثل بنادق تافور وإكس-95 ومدافع النقب.

يرى الكاتب آزاد عيسى أن هذه المشاريع تمثل العمود الفقري لتحالف عسكري بين الهند وإسرائيل، يتعزز عبر تقارب أيديولوجي بين مودي ونتنياهو.

شركات أخرى تدعم آلة الحرب
لم تقتصر المشاركة الهندية على "أداني" و"برايمر"، بل شملت شركات مثل "الذخائر الهندية المحدودة" التي صدّرت شحنتين إلى إسرائيل مطلع 2024. رغم غياب التفاصيل الدقيقة، فإن التراخيص تشير إلى مواد "مزدوجة الاستخدام"، ما يثير تساؤلات حول استعمالها الفعلي.

كذلك، تسهم مجموعة "تاتا" بمكونات إلكترونية للطائرات والرادارات، وتقدم شركة "ويف ميكانيكس" مكونات ميكانيكية دقيقة، بينما توفر "إلكترونيات بهارات" أجهزة استشعار وأنظمة ليزر تُستخدم في الدفاعات الإسرائيلية.

ووفق مبادرة "عمال في فلسطين"، تتعاون 19 شركة هندية مع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، في مجالات تشمل الطيران والإلكترونيات والمتفجرات.

تحالف عسكري واقتصادي عميق
هذا التعاون لا يُعد طارئًا، بل هو ثمرة تحالف استراتيجي طويل. فالهند توفر لإسرائيل يدًا عاملة ماهرة منخفضة الكلفة وسوقًا ضخمة، بينما تحصل على تقنيات متقدمة تُسهم في توطين صناعتها الدفاعية.

لكن في المقابل، تظل الهند في كثير من الأحيان مجرد "مجمّع" لتكنولوجيا إسرائيلية، كما في حالة طائرة "هرميس" التي تظل مكوناتها الأساسية إسرائيلية. وقد يؤدي أي خلاف سياسي إلى توقف خطوط الإنتاج أو تعطل قطع الغيار.

الخلاصة أن الهند باتت شريكًا نشطًا لإسرائيل في حربها على غزة، في قطيعة مع إرثها الدبلوماسي التقليدي المؤيد للفلسطينيين. ورغم حرصها على الظهور كطرف "محايد"، فإن انخراطها الصناعي والعسكري يضعها في موضع المسؤولية الأخلاقية، خاصة في ظل التقارب الأيديولوجي بين الهندوتفا والصهيونية.
المصدر :الجزيرة نت

الفيديو

تابعونا على الفيس