
في مقال مشترك بمجلة فورين أفيرز، يحلل مايكل هورويتز، ولورين كان، وجوشوا شوارتز مسألة استخدام الطائرات المسيّرة في الحروب الحديثة استنادًا إلى الهجوم الأوكراني الأخير على روسيا والحرب الإسرائيلية على إيران في يونيو/حزيران الماضي.
يرى المحللون الثلاثة أن النجاحات التكتيكية المبكرة التي حققتها أوكرانيا وإسرائيل تنذر بتغير كبير في طبيعة الحروب، من الاعتماد على الأسلحة التقليدية المكلفة إلى الاستثمار في "القدرات الدقيقة الشاملة" الأرخص ثمناً.
ومع ذلك، يشيرون إلى أن هذه الأسلحة الحديثة محدودة التأثير في بعض المهام، ما يتطلب مزيجًا عسكريًا جديدًا يشمل أقل عدد من الأسلحة التقليدية وأكبر عدد من المسيّرات الدقيقة.
خلال يونيو، نفذت أوكرانيا وإسرائيل عمليتين جريئتين باستخدام مسيّرات هجومية أحادية الاتجاه. في عملية "شبكة العنكبوت"، دمرت أوكرانيا ما لا يقل عن 11 قاذفة روسية، وفي "الأسد الناهض"، دمرت إسرائيل دفاعات جوية إيرانية. في كلتا الحالتين، استخدمت مسيّرات لا تتجاوز تكلفتها آلاف الدولارات لتدمير معدات عسكرية بملايين الدولارات.
هذه النجاحات تعكس تحولًا في الحروب الحديثة. فالمسيّرات، خصوصًا المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أصبحت أساسية للجيوش. وبحسب المسؤولين الأوكرانيين، المسيّرات مسؤولة عن 70% من خسائر الجبهة. كذلك دعا خبراء كإريك شميدت وإيلون ماسك إلى الاستغناء عن الأسلحة التقليدية باهظة الثمن.
رغم ذلك، لا تزال وزارات الدفاع – وأبرزها البنتاغون – تستثمر بشكل كبير في أنظمة قديمة كحاملات الطائرات والدبابات، مقابل استثمارات ضئيلة في المسيّرات منخفضة التكلفة. فمثلاً، لم يتجاوز استثمار مبادرة "ريبليكاتور" الأميركية الأولى 500 مليون دولار.
عملية "مطرقة منتصف الليل" الأميركية ضد مواقع إيرانية، التي استخدمت فيها 125 طائرة منها 7 قاذفات B-2، تؤكد أهمية الأسلحة التقليدية في بعض المهام، لكنها أيضًا تبرز الحاجة إلى دمجها مع الأنظمة الرخيصة.
أظهرت العمليات أن الدفاعات الجوية والبنية التحتية العسكرية أصبحت عرضة لهجمات مسيّرات دقيقة ورخيصة. ففي عملية أوكرانيا، كلفت المسيرات المستخدمة 117 ألف دولار فقط، مقابل قاذفات روسية بمئات الملايين. وأثبتت إسرائيل أن تجميع المسيّرات داخل إيران مكّنها من ضرب الدفاعات الجوية بسرعة ودون اكتشاف.
التكلفة غير المتكافئة كانت استراتيجية فعالة. فمقابل خسائر طفيفة في الموارد، كبّدت أوكرانيا و إسرائيل خصومهما أضرارًا فادحة، مما يُظهر هشاشة أنظمة تقليدية أمام هجمات دقيقة ومنخفضة التكلفة.
في المقابل، ردّت روسيا وإيران بهجمات مضادة باستخدام مسيّرات وصواريخ منخفضة التكلفة، مما أرهق الدفاعات الجوية للطرف الآخر وفرض تحديات لوجستية ومالية.
رغم تصاعد أهمية المسيّرات، لا تزال بعض الأهداف تتطلب قدرات تقليدية. فعلى سبيل المثال، تطلب استهداف منشأتي تخصيب إيرانيتين استخدام قنابل خارقة من طائرات B-2 الشبحية، وهي قدرات لا تستطيع المسيّرات توفيرها.
لذلك، يرى المحللون أن المزيج المثالي في الحروب الحديثة هو بين الأنظمة المنخفضة التكلفة والأنظمة التقليدية المتطورة، على غرار دمج الغارات الإسرائيلية للمسيّرات مع الطائرات المأهولة.
الولايات المتحدة مطالبة بإعادة النظر في استراتيجيتها الدفاعية، وتعزيز استثمارها في القدرات الدقيقة الشاملة، دون التخلي عن الركائز التقليدية لقوتها العسكرية.
التاريخ يُظهر أن الدول التي تفشل في التكيف مع طبيعة الحرب الجديدة تصبح أكثر عرضة للخسارة. ولذا، فإن التحدي أمام الولايات المتحدة اليوم ليس فقط في الحفاظ على تفوقها، بل في تطويره بما يتماشى مع الواقع المتغير لساحات المعارك.
المصدر : الجزيرة نت