
في ظل التطورات المتسارعة والمعقدة على الأرض، يبرز سؤال جوهري: هل تخلّت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن سياسة حل الدولتين، التي كانت ركيزة أساسية في جهود السلام العربي-الإسرائيلي لعقود؟ هذا التساؤل يكتسب أهمية خاصة بعد تصريحات مثيرة للسفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكبي، والتي بدت كأنها تقطع مع المواقف الأمريكية التقليدية الداعمة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تصريحات مثيرة للجدل
قال هاكبي في تصريحاته الأخيرة إن "تأسيس دولة فلسطينية لم يعد هدفاً لسياسة الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن "النظام الثقافي الفلسطيني لا يسمح بقيام دولة مستقلة في الضفة الغربية"، بل اقترح فكرة إقامة دولة فلسطينية في مكان آخر خارج الضفة الغربية وغور الأردن. هذا التصريح يمثل انقلاباً واضحاً على مواقف الإدارات الأمريكية السابقة، بدءاً من اتفاق أوسلو عام 1993، التي دعمت إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية لم يؤكدا أو ينفيا تصريحات السفير، بل راوغت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس في الردود، مما أثار قلقاً واسعاً حول ما إذا كانت هذه التصريحات تعكس تحولاً رسمياً في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.
تداعيات التصريحات على الساحة العربية والدولية
لم تتأخر ردود الفعل العربية والدولية على هذه التصريحات، حيث اعتبر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن تصريحات السفير الأمريكي تمثل "التطرف ورفض السلام"، داعياً إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لعكس هذا التحول الخطير في السياسة الأمريكية.
كما أصدرت عدة دول عربية، منها الأردن ومصر والبحرين وقطر، بيانات رسمية تعبر عن قلقها العميق، مؤكدة أن أي تغيير في موقف الولايات المتحدة لا يدعم حل الدولتين يشكل استهدافاً مباشراً لشرعية إقامة الدولة الفلسطينية، ويهدد فرص السلام في المنطقة.
على الصعيد الأوروبي، وصف الاتحاد الأوروبي تصريحات السفير الأمريكي بأنها "مقلقة بشدة" وتهدد جهود السلام، مطالباً واشنطن بتأكيد التزامها بحل الدولتين. بدورها، أعربت بريطانيا عن أسفها لهذه التصريحات وأكدت دعمها المستمر لمسار السلام.
إغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية ودمجه بالسفارة الأمريكية
في سياق متصل، أثار إغلاق وزارة الخارجية الأمريكية لمكتب الشؤون الفلسطينية في القدس ودمجه مع السفارة الأمريكية جدلاً واسعاً، إذ اعتبره مراقبون مؤشراً إضافياً على تراجع الدعم الأمريكي الرسمي للقضية الفلسطينية. رغم تأكيد الناطقة باسم الخارجية أن هذا الإجراء "لا يعكس تراجعاً في الدعم أو التواصل مع الفلسطينيين"، إلا أن الخطوة أثارت شكوكاً حول نوايا واشنطن الحقيقية.
انعكاسات على جهود السلام والتطبيع
تصريحات السفير الأمريكي وقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً متزايداً، مع استمرار الحرب في غزة، وتوسع الاستيطان الإسرائيلي، ومحاولات تهويد القدس، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى. هذه التطورات تعقد فرص تحقيق السلام وتضعف من فرص التوصل إلى حل عادل وشامل.
كما أن المواقف الأمريكية الأخيرة قد تعرقل مساعي التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، التي تشترط دائماً قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة كشرط أساسي لأي اتفاق تطبيعي.
ردود فعل داخل الولايات المتحدة
في الداخل الأمريكي، عبر نواب من الحزب الديمقراطي في الكونغرس عن قلقهم وخيبة أملهم من تصريحات السفير هاكبي، وطالبوا وزارة الخارجية باستدعائه لجلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية لتوضيح الموقف الرسمي. وأبدى هؤلاء النواب خشيتهم من تحول السياسة الأمريكية الرسمية بعيداً عن دعم حل الدولتين، وهو الموقف الذي ظل قائماً لأكثر من ثلاثة عقود.
خاتمة
تصريحات السفير الأمريكي في إسرائيل، وإجراءات الإدارة الأمريكية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، تشير إلى تراجع واضح في دعم حل الدولتين كإطار لحل الصراع العربي-الإسرائيلي. هذا التراجع يفاقم من معاناة الفلسطينيين، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي الإقليمي والدولي، ويهدد استقرار المنطقة بأسرها. يبقى الأمل معقوداً على جهود دبلوماسية دولية وعربية لإعادة إحياء مسار السلام، والضغط على كل الأطراف للعودة إلى الحوار والاعتراف بحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة.
المصدر: القدس العربي .