
قبل أيام، أطلقت مبادرة سياسية إسرائيلية حملة تحت عنوان «الائتلاف من أجل الأمن الإقليمي ـ درع إبراهيم».
للترويج لهذه المبادرة نُصبت لوحات دعائية ضخمة في تل أبيب كتب عليها «فرصة جديدة للشرق الأوسط»، ويظهر فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مع عدد من القادة والزعماء العرب.
إضافة إلى الوجوه المتوقعة في هكذا إعلان، مثل ملوك المغرب والبحرين والأردن، ورؤساء مصر والإمارات وفلسطين، الذين تجمع بلادهم اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل، وضعت اللوحة صورا لسلطان عُمان ورئيسي لبنان وسوريا، ولكنّها تجاهلت زعماء دول أخرى مثل قطر والجزائر وتونس وموريتانيا، وكذلك ليبيا واليمن والسودان (التي تشهد درجات مختلفة من الانقسام السياسي والحرب الأهلية).
إضافة إلى المقصد الأمني الواضح في عنوان المبادرة فقد أعطى أصحابها هدفا سياسيا استراتيجيا لعملهم هو «تغيير وجه الشرق الأوسط» عبر تحالف إقليمي لإسرائيل مع الدول العربية المعتدلة «لمواجهة إيران وأذرعها والتنظيمات الإرهابية»، وهو هدف صار ممكنا حسب المبادرة بعد «الإنجاز العسكري الإسرائيلي ضد إيران».
حسب الموقع الإلكتروني للمبادرة فقد تأسس هذا الائتلاف بعد عام من عملية 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، وأنه يمثّل مجموعة واسعة من الشخصيات العامة والخبراء وقادة الرأي في مجالات الأمن، والدبلوماسية، والأعمال، والتكنولوجيا الذين توحدوا «بهدف ضمان أمن دولة إسرائيل في الشرق الأوسط من خلال خطة درع إبراهيم». بالتزامن مع هذه المبادرة أوردت تقارير إخبارية أقوال «محللين» إسرائيليين إن نتنياهو يريد أن يكون إنهاء الحرب على غزة جزءا من اتفاقيات إقليمية أوسع وأنه «يواجه معارضة شديدة من سموتريتش وبن غفير، وزيري المالية والأمن القومي».
تشكو تحليلات «المحللين» وبيان المبادرة من عطب منطقي شديد، بدءا من القول إن نتنياهو «يريد إنهاء الحرب في غزة»، ومرورا بافتراض أن «انتصارا» على قوة إقليمية كبرى مثل إيران يدفع إسرائيل نحو وقف خطط التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وليس استثمار هذه «المنجزات» في مزيد من الاستكبار الذي نشهد وصوله إلى ذراه في غزة واستطالاته في سوريا ولبنان.
يشير وجود ترامب في وسط لوحة الدعاية، بالطبع، إلى هذه «القطبة المخفيّة» التي يحاول المنطق الآنف التلاعب عليها، كما يشير إليها أيضا التدخّل العسكريّ الأمريكي الهائل الذي أدى لقصف مفاعل فوردو المحصّن، إضافة إلى المفاعلات الأخرى.
بغض النظر عن نجاح الضربات الأمريكية في تدمير البرنامج النووي الإيراني أو تأجيله، فإن التدخّل الأمريكي أظهر محدودية القدرات الإسرائيلية، وكشف الحاجة الماسّة إلى الحليف الأمريكي، وأوقف بدوره النزيف المادي والبشري والعسكري الإسرائيلي، إضافة إلى كونه وضع حدا لغطرسة نتنياهو وأحلامه غير المنطقية بإسقاط النظام الإيراني أو حتى إنهاء البرنامج الصاروخي الباليستي فوضعه، وإسرائيل، في حجمهما الطبيعي.
تفسّر هذه التطوّرات العالمية والإقليمية المهمة خضوع نتنياهو السريع لقرار ترامب بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، كما تفسّر النقلة التي نشهدها الآن من خطط نتنياهو المجهضة في إيران والمنطقة، إلى خطط ترامب الاستراتيجية فيما يتعلّق بوظائف إسرائيل وتموضعاتها، وهو ما انتبه إليه إعلامي إسرائيلي قبل أيام حين تحدّث عن أن ترامب سيقتطع ثمن مشاركة بلاده في الحرب ضد إيران لكبح جماح نتنياهو وشركائه عبر معادلة «غزة مقابل فوردو»، وبذلك سيقوم بإعادة تجهيزه لقبول المعادلة التي طرحتها القمة العربية الأخيرة، وهي التطبيع مقابل «حل الدولتين» ووقف الحرب ضد غزة. «درع إبراهيم»، بهذا المعنى، هو حملة ترويجية لنتنياهو وإسرائيل، لكنها، من جهة أخرى، إقرار بالفشل، ليس في إيران فحسب، بل في غزة أيضا.
المصدر : القدس العربي