قرر الاتحاد الأوروبي استقبال مئة الف لاجئ في اليونان ودول البلقان بهدف ضبط أزمة الهجرة غير المسبوقة.
وأُعلن هذا القرار في مؤتمر صحفي مشترك ضم رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والمفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بعد قمة أوروبية مصغرة جمعت زعماء عشر دول.
ومع أن القرار قد حمل أبعاداً إنسانية، بحسب مفوض الأمم المتحدة الذي قال"لا يمكننا في العام 2015 أن نترك الناس يواجهون مصائرهم منفردين وينامون في البساتين"، فهو يعكس سياسة الاتحاد الأوروبي حيال اللاجئين الرامية إلى الحد من عملية الهجرة.
فمن شأن هذه الخطوة أن تبقي اللاجئين في دول المرور الأوروبية كاليونان ومقدونيا وصربيا وكرواتيا والمجر، إذ وافقت اليونان على استقبال 30 ألف مهاجر حتى نهاية العام، ثم 20 ألفا يتم استقبالهم لدى عائلات أو في مساكن مؤجرة بتمويل من المفوضية السامية للأمم المتحدة، على أن يجري استقبال 50 ألف مهاجر، وهم المتبقون على طول طريق البلقان، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وفي محاولة لتخفيف العبء عن دول المرور الأوروبية، اتفق الزعماء في القمة المصغرة على تطبيق 17 إجراء لإعادة النظام على الحدود الأوروبية وإبطاء التدفق غير المراقب للمهاجرين، والأهم الامتناع عن تسهيل تحركات المهاجرين على حدود دول أخرى في المنطقة من دون موافقة هذه الدول المعنية.
تشكل هذه القرارات حلا وسطا بين دول تدعو إلى فتح حدودها للمهاجرين على اعتبار أن أوروبا أرض القيم والتضامن (ميركل)، وبين دول ترفض هذا المبدأ وتعتبر اللاجئين تهديدا لهويتها ووضعها الاقتصادي (اليونان ودول البلقان)، كما تشكل هذه القرارات خطوة متقدمة على صعيد التفاهم والتضامن بين الدول الأوروبية حيال أزمة اللاجئين.
لكن الخلافات الأوروبية البينية ما زالت كبيرة، حيث أثارت الأعمال الأحادية الجانب لبعض الدول استياء دول أوروبية مركزية كألمانيا، وبلغ الارتياب المتبادل بين حكومات الاتحاد مستويات تدعو للانزعاج، وتخشى دول المرور أن يتحول قرار القمة المصغرة إلى واقع لا يمكن تغييره في ظل مطالب بعض دول الاتحاد بفرض حصص إجبارية من اللاجئين على كل الدول بحسب إمكانياتها.
وتنقسم أوروبا بين الأولوية الإنسانية والأولوية الأمنية - الاقتصادية، وفي حين تتهم ألمانيا بعض الدول بالتخلي عن أولوياتها الإنسانية، تتهم هذه الدول بالمقابل المستشارة الألمانية ميركل بالتسبب في تضخيم موجة المهاجرين عندما قررت من جانب واحد في أغسطس / آب قبول اللاجئين السوريين من دون تطبيق قاعدة أوروبية تلزم طالبي اللجوء بالتقدم بطلب اللجوء في أول دولة يصلون إليها من دول الاتحاد.
ومع كل هذا النقد لألمانيا، تخشى هذه الدول أن تتخذ برلين قرارا بإغلاق حدودها أمام اللاجئين، ذلك أن تركيز اللاجئين على ألمانيا خفف من العبء على هذه الدول التي هددت بإغلاق حدودها إن قامت ألمانيا بإغلاق حدودها.
هذا الانقسام انعكس أيضا على مستوى مؤسسات الاتحاد، ففي حين تميل المفوضية الأوروبية تحت رئاسة جان كلود يونكر إلى الطرح الألماني، يميل رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى طرح الدول الأوروبية الأخرى، وفي مقدمتها دول البلقان، وقد صرح أن موجة المهاجرين هي تهديد يجب القضاء عليه أو احتواؤه.
ويخشى أن يؤدي هذا الانقسام إلى انفراط عقد الاتحاد الأوروبي في حال عدم اتخاذ إجراءات فورية وملموسة، بحيث تتخذ كل دولة على انفراد خطوات خاصة بها للتعامل مع الهجرة، بعيدا عن لوائح وبروتوكلات الاتحاد. وكشف غياب إيطاليا وفرنسا عن القمة المصغرة حدود التباعد بين الأعضاء.
تركيا
على الرغم من كل المحاولات الأوروبية للحد من الهجرة، فإن القادة الأوروبيين يدركون أن أي حل من دون تركيا (منطلق الهجرة الأساسي) لا جدوى منه، وهو ما عبرت عنه ميركل بوضوح حين قالت إن "زعماء وسط وشرق أوروبا المجتمعين في بروكسل يحتاجون لمساعدة من تركيا لحل أزمة المهاجرين".
لكن الانفتاح الأوروبي المتزايد على تركيا، المعطوف بسخاء مالي، أثار حفيظة مؤسسات حقوقية أوروبية وصفت سياسة الانفتاح هذه بـ "رشاوى سياسية"، لبلد لا يستحق ذلك، حيث يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أزمة اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية في سوريا، ومكاسب انتخابية داخلية عبر استغلال مسألة التأشيرة ، من أجل كسب أصوات الناخب التركي، فالسفر بحرية إلى أوروبا من دون تأشيرة يمثل بالنسبة للمواطنين الأتراك خطوة تفوق في أهميتها الكثير من الملفات الداخلية والخارجية.
على أن أخطر ما قام به أردوغان هو استغلال أزمة الأوروبيين للطلب منهم تقديم تنازلات في ملف قبرص المنقسمة بين تركيا واليونان، في محاولة إما لتعجيز أوروبا، أو لتقديم نصر سياسي يعوض فشله الذريع في سوريا.