
جيمس دافيد فانس نائب الرئيس الأمريكي خوّل نفسه وظيفة النيابة عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، فأعلن أن «هدفنا كان دفن اليورانيوم، وأعتقد جازماً أن اليورانيوم قد دُفن»، ولكنه استدرك قائلاً: «لكن الهدف كان تصفية التخصيب وتصفية قدرتهم على تحويل الوقود المخصّب إلى سلاح نووي». وفي يقينه فإن قدرة إيران على تخصيب 60٪ وعجزها لاحقاً عن الوصول إلى نسبة 90٪، يعني العجز عن التحويل إلى سلاح نووي.
هذا منطق تبسيطي يتوخى الضحك على عقول مشاهدي قناة فوكس نيوز التي كان فانس يتحدث عبرها، لسبب أول ظاهر وقاهر هو أن كمية الـ408 كلغ من اليورانيوم الذي نجح البرنامج النووي الإيراني في تخصيبها حتى الساعة مدفونة بالفعل، ولكن في مكان آمن على امتداد مساحة إيران الشاسعة الواسعة. ولأن الشريكين في الحرب على إيران، دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، فشلا خلال 12 يوماً في العثور على مخبأ اليورانيوم الثمين هذا، فإن «الدفن» بات أقرب إلى التخزين التمهيدي في انتظار كيلوغرامات أخرى مخصبة.
وبالتوازي مع منطق البيت الأبيض كان رئيس حكومة الاحتلال قد أعلن الموافقة على خطة وقف إطلاق النار التي تعاونت على إتمامها الإدارة الأمريكية ودولة قطر، معتبراً أن دولة الاحتلال «حققت كل أهدافها في عملية الأسد الصاعد، بل تجاوزتها»، وأنها أزالت «التهديد الوجودي المزدوج» الذي تمثله إيران عبر البرنامج النووي والصواريخ البالستية. استغفال عقول الإسرائيليين، والعالم بأسره في الواقع، يبدأ من الأكذوبة الفاضحة بصدد التدمير الفعلي والنهائي لبرامج إيران النووية والبالستية، ولا ينتهي عند خاتمة «حرب الـ12 يوماً» كما كتبتها طهران في الضربة الصاروخية على بئر السبع.
صحيح أن إيران تلقت ضربات موجعة إسرائيلية وأمريكية، وخسرت عدداً من خيرة علمائها في ميادين الطاقة النووية، ودُمّرت أجزاء واسعة من مفاعلاتها في نطنز وأصفهان وفوردو، ولكن هذا كله لم يستأصل خبرات البلد الراسخة التي يمكن أن تُستعاد في زمن قصير، سواء على مستوى الأجيال الأكثر شباباً من العلماء أو إعادة بناء المفاعلات وأجهزة الطرد المركزي وبلوغ نسبة الـ3,5٪ من تخصيب اليورانيوم.
وبذلك فإن «أسد» نتنياهو قد يكون صعد واشرأب ليأكل فريسته، كما في أسفار التوراة التي منها استمدّ جنرالات الاحتلال تسمية الحرب ضد إيران، ولعله التهم قسطاً غير قليل من جسد فريسته هنا وهناك على امتداد المفاعلات والمواقع الصناعية والسجون الإيرانية، ولكنه اضطر في نهاية المطاف إلى وقف النار دون استكمال أهداف ذات سقوف عالية، لا تبدأ من تدمير مخزون اليورانيوم ولا تنتهي عند تغيير النظام.
إيران ارتكبت أخطاء فادحة خلال هذه الحرب، وانكشفت عناصر قوة كانت خافية أو مموهة في ترسانتها العسكرية، وعرّضت الجوار الإقليمي للأخطار، وانتهكت القانون الدولي بحقّ دولة مثل قطر صديقة لطهران وكانت الوسيط في التوصل إلى وقف النار. «الأسد» من جانبه ربض على الجبهة مع إيران، لكنه عاد لاستئناف جرائم الحرب والإبادة في قطاع غزة، والعدوان المفتوح على جبهات لبنان وسوريا واليمن.