
انتهت اللعبة بشكر الرئيس الأمريكي ترامب ليل الإثنين الماضي لإيران على إبلاغها الأمريكان بموعد ضرب قاعدة «العديد» في قطر. لكن ما الذي جرى بالضبط؟ وكيف توصل الإيرانيون والإسرائيليون الى ذلك الاتفاق المفاجئ؟ ستظل التفاصيل مجهولة. غير أنه وفي خضم ذلك سيطلق العنان لمختلف القراءات والتأويلات وربما سيتساءل البعض في المنطقة المغاربية بالتحديد إن كان المغاربة قد أحسنوا صنعا حين لم يظهروا تعاطفا زائدا مع الإيرانيين. لكن بداية هل كان متوقعا منهم أن يفعلوا العكس وأن يقتربوا وفي هذا الظرف بالذات من طهران؟ طبعا لا. فلا شيء كان يدل على ذلك. ليس فقط لأن الاختلافات المذهبية بين البلدين كانت عميقة ووضعت حاجزا عاليا وسميكا أمامهما، بل لأن المواقف الإيرانية مما يعدها المغاربة قضيتهم الوطنية الأولى، أي قضية الصحراء أحدثت شرخا واسعا في علاقاتهما وأفضت بهما الى القطيعة. وفي تلك الحالة فما الذي كان منتظرا من المغاربة فعله بعد الإعلان مساء الإثنين الماضي عن توسع رقعة المواجهات في المنطقة وقصف الإيرانيين لقاعدة العديد الامريكية في قطر؟
أن يلزموا الصمت ويستمروا في التحفظ الذي طبع موقفهم من التطورات، التي حصلت هناك منذ بدء العدوان الإسرائيلي منتصف الشهر الجاري على إيران؟ أم أن يتحركوا ليعلنوا وبوضوح تام عن وقوفهم مع بلد خليجي لطالما آزرهم، وجدد أكثر من مرة دعمه لمقترحهم للحكم الذاتي للصحراء، الذي طرحوه قبل ما يقرب من عشرين عاما كأساس لحل نهائي للمشكل الصحراوي؟ لم تتردد خارجيتهم في الحسم بشكل سريع وأقدمت وبعد ساعات قليلة فقط من قصف قاعدة «العديد» على إصدار بيان قالت فيه إنها تدين وبشدة «الهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي وتعبر عن تضامنها التام مع دولة قطر الشقيقة إزاء كل ما من شأنه أن يمس أمنها وطمأنينة مواطنيها». وكان الهدف من وراء ذلك هو ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فقد مثل الهجوم الصاروخي على بلد عربي وخليجي فرصة للرباط حتى تحرك بوصلتها في الاتجاه، الذي يخدم مصالحها وتوجه عدة رسائل ولأكثر من جهة واضعة في اعتبارها جملة من المعطيات، أولها هو حجم العوائد التي يمكن أن تجنيها من خروجها المبكر نسبيا بمثل ذلك الموقف المبدئي والسريع من الاعتداء على سيادة دولة خليجية في سياق وتيرة التسابق والتلاحق التي تستعر بشدة ضمن الصراع الدبلوماسي والسياسي مع جارتها الجزائر التي تملك علاقات وثيقة مع إيران، لكنها تحتفظ مع ذلك بروابط جيدة مع قطر؟ وكان المحك الحقيقي هنا هو أن أي تأخر من الجانب المقابل أي من طرف الجزائر في التعبير عن تضامنها مع قطر كان سيعني في نظر المغاربة أن الجزائريين قد وضعوا أنفسهم قبل أن يضعهم أي طرف آخر في خندق واحد مع الإيرانيين، وأنهم قد قطعوا بالتالي كل جسورهم مع الدول الخليجية، الأمر الذي كانت ستكون له انعكاسات وتداعيات مهمة لا على العلاقات العربية -الجزائرية فقط، بل حتى على ملفات أخرى، ومن بينها ملف الخلافات المغربية – الجزائرية والملف الصحراوي.
ما الذي سيحصل الآن بعد توصل الإيرانيين والإسرائيليين الى الاتفاق على وقف الحرب، وما الذي سيتغير، لا في الشرق فقط، بل في المغرب العربي أيضا؟
وفي المقابل كان واضحا أن تلك الرسالة وصلت على ما يبدو بشكل عاجل الى الجارة الجزائرية، التي أصدرت خارجيتها، وبعد وقت قصير من بيان الخارجية المغربية بيانا عربت فيه عن «شديد انشغالها وبالغ قلقها إزاء مستوى التصعيد المتفاقم الذي بلغته الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب الانتهاكات لسيادة دولة قطر الشقيقة وحرمة ترابها» وإدانتها لما وصفتها بـ»الانتهاكات الصارخة وغير المقبولة»، التي أقدم عليها الإيرانيون من خلال قصف قاعدة العديد، والتشديد «على تضامنها ووقوفها الى جانب دولة قطر الشقيقة في مواجهة هذه المحنة وتجاوزها». والسؤال هنا هو ما الذي قد يعنيه ذلك؟ وهل يمكن أن يشكل مثل ذلك الموقف الدبلوماسي والبراغماتي بداية تحول في السياسة الخارجية الجزائرية قد تكون له تبعات أو انعكاسات على خياراتها ومواقفها من قضايا أخرى، ومن بينها قضية الصحراء؟ بالنسبة للمغاربة كانت الأمور تبدو محسومة. فعلاقاتهم الدبلوماسية ما زالت مقطوعة مع طهران منذ سبع سنوات، بعد أن اتهموا الأخيرة بأنها تقدم دعما ماليا ولوجستيا وعسكريا لجبهة البوليزاريو، لكنهم كانوا يدركون جيدا أن موقفهم القديم نسبيا من الإيرانيين لم يكن يعني وبأي حال من الأحوال أنه سيكون عليهم اليوم أن يضعوا أنفسهم ولو بشكل ظرفي أو مؤقت في الناحية المقابلة أي في الصف الإسرائيلي تطبيقا للقاعدة المعروفة «عدو عدوي صديقي».
وهنا كان من اللافت أن قيام بعض الجهات بترويج أخبار من قبيل عرض المغرب لما وصفت بأنها مساعدات إنسانية للإسرائيليين في حربهم ضد إيران أو مقتل جنود مغاربة في هجمات شنتها قوات الحرس الثوري الإيراني على أهداف إسرائيلية كان الهدف الأول والأخير منه هو إيجاد رابط ما بين عدم دعم المغرب ومساندته لإيران وبين علاقاته المكشوفة والمعلنة مع تل ابيب.
غير أن ضرب الإيرانيين لقاعدة أمريكية داخل أراض عربية قلب المعادلة بشكل واضح وسمح للرباط لا بالإعلان عن وقوفها مع الإسرائيليين، بل بالتعبير ولو بطريقة ما عن وقوفها ضد الإيرانيين.
لقد سبق للأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الاله بن كيران أن قال الاحد الماضي وفي اجتماع حزبي إنه «يصطف مع مصالح المغرب ضد إيران حين يكون المشكل ثنائيا بين البلدين»، لكن حين يتعلق الأمر بمواجهة لا بين أيران والمغرب، بل بينها وبين «إسرائيل» المسنودة بأمريكا فإنه يؤازر في تلك الحالة «أمة إيران لكونها ترفع راية الإسلام، رغم أخطائها وبدعها التي لا نقبلها ولا نقبل أن تصل الينا»، وإنه «مع إيران ضد إسرائيل، أي مع كل من يدافع عن فلسطين» و»لا يمكن أن يتساوى عندنا الأمر مع من يقتل إخوتنا الفلسطينيين»، قد يمثل موقف طيف واسع منهم.
لكن هل كان يتوقع بن كيران أو غيره إن كانت الموازنة بعد خرق إيران لقواعد الاشتباك التقليدية ومهاجمة أهداف داخل دول خليجية وعربية بين مصالح المغرب وبين الدفاع عن فلسطين ستكون ممكنة؟
إن الأعداد الغفيرة التي خرجت الأحد الماضي الى قلب العاصمة الرباط للتنديد، لا فقط باستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، بل بالهجمات العدوانية التي تعرضت لها إيران تصرفت بشكل تلقائي ومن منطلق إيمانها بالقضية الفلسطينية ودفاعها عنها.
لكنها وفيما قامت بحرق العلم الإسرائيلي في حركة رمزية لا تخلو من دلالات فإنها لم ترفع في المقابل العلم الإيراني.
يبقى السؤال ما الذي سيحصل الآن بعد توصل الإيرانيين والإسرائيليين الى الاتفاق على وقف الحرب وما الذي سيتغير، لا في الشرق فقط، بل في المغرب العربي أيضا؟ ربما لن تتأخر الملامح الأولى للجواب عن الظهور في غضون الشهور القليلة المقبلة.
كاتب وصحافي من تونس