مواطن جاهلي في أوتيل/ داوود جا

جمعة, 06/13/2025 - 14:14

ذاتَ يومٍ من تلك الأيام التي تمنحُها لك أبو ظبي بسخاء، تعرّفتُ على شاعرٍ بدين.
شاعر من سلالةٍ منقرضة؛ تلك التي ينتمي إلى أعماقها بوكوفسكي، ومحمد شكري، والشيخ نوح!
أعني تلكَ السلالة التي تمتاحُ مفرداتها من الجسد، والليل، واللّفافاتِ المحترقة، وأحيانًا من الزجاجِ الأحمر!

أولئك الذين يسمّونهم مجازًا: Underground writers.
حين أقول "مجازًا"، فأنا أتعمدُ ذلك، بل وأتخذه موقفًا حدّيًا من التصنيفِ والقولبة.
مثلُ هؤلاء الأحرار ينبغي تركهم منفلتينَ، عائمينَ، عُراةً من المفاهيم، ومشرّدين.
ينبغي لعنهم وطردهم من الكنائس، ودور العبادة.
صحيحٌ أنهم يتّخذونَ من القاع كتبًا، ومن الحانات ملاجئَ، ومن الطين ذُروةً وأعالي،
لكن ذلك لا يعني أنّ أحدًا يحقّ له امتلاكهم، أو تصنيفهم على مزاجه.

هؤلاء أحبّهم.
أحفظ نصوصهم عن ظهر قلب: الخبز الحافي، بائعة النعناع، وFor Jane: With All the Love I Had, Which Was Not Enough.
جئتُ بكل هذه التداعيات، لأعترف — لنفسي وللعالم — أن الأدب الرفيع يضيق ذرعًا بالأكاديميات والسلطة.
مكانهُ الملائم: الشارع، والكابريهاتِ، والعزلة.
أمّا غير ذلك، فهو تسطيحٌ ممنهج، يقوده النّقاد المملون، بكرفتاتهم المائعة، وعُقدهم النفسيّة.

نحنُ الشعراءَ، نحنُ مُلّاك المشيئة، وسادةُ ذواتنا.
فمن هم النقّاد؟
"جباة أعشاب"، على حد تعبير نيتشه.

لكن كلّ هذا الحقد، ليس ضروريًا الآن، خاصةً وأننا سنتحدث عن ذلك الشاعر البدين الذي التقيته في أبو ظبي ذات يوم.
اسمه: علا الله طاهر. مواطن جاهليّ من اليمن.
أنيق، وتفوح من طَلّته المكتنزة روائح جنّة عدن.
شاعرٌ منسحبٌ من الأضواء، ملاذه: الظلّ، والهشاشة، ثم التجريب.
قرأ عليّ نصوصًا هابطة، وأخرى ناضجة، فعرفتُ أنّه يتطوّر.

وفي لحظةٍ منه، تذكّرتُ نيرودا في اعترافاته تلك، متحدثًا عن لوركا . قال:
«كان لوركا يطلب مني أن أقرأ له نصوصي، وحين أبدأ، يقول لي: توقف، أخشى أن أتأثر بك».

أنا أيضًا خِفتُ أن أتأثر بعلا الله؛ ليس على مستوى الشعر فحسب، بل في الشطح، واللغة المرتبكة، والذاكرة الممزقة التي يتسرّب منها كلّ شيء: (السياسة، والشعر، والنساء).
علا الله مثقف، ويمتلك من المعرفة اشتراطاتها الأساسيّة: الصمتُ الجيّد، والإصغاء الجيّد، والقلق!

أبوه لا يملكُ بيتًا في الكرة الأرضيّة، مع ذلك فإنّ علا الله دائم البكاء على الأطلال!
ربّما هي أطلال الذاكرة، والبيوت المكتراة التي يلزم إخلاؤها لأصحابها، والطفولات البعيدة، المتروكة هناك، في اليمن.
هناك دائمًا في نصوصه: امرأة مجيدة، وشذّاذُ آفاق.
(عيناكِ، لو مرّتا يومًا على طللٍ
لقال: بيتًا حداثيًا وصار لِقا...)

ثمّ إنّه ناسكٌ، يحجّ بيت الله الحرام، ويشرب ماء زمزم، ويقضي بقيّة الوقت صحبة عبد الله عبيد...

في تلك الليلة التي أتحدث عنها الآن، كان المسبح في الأوتيل زاخرًا بالعُريّ،
تطفو فوق مياهه الزرقاء أجسادٌ أوروبيّة، منحدرة من فساتين مخلوعة، وبناطيل من الجينز والكاكي.
مع ذلك، فإنّ علا الله كان منشغلًا بطيف امرأة من اليمن،
انشغالَ ذلك الجنديّ الألمانيّ بليلي مارلين...

الفيديو

تابعونا على الفيس