
قبل التعرض لموضوع المقال أذكر الإخوة العقلاء أهل التحضر الراقي والديمقراطية بأن الإختلاف في الرأي حق مكفول في قوانينهم الديمقراطية التي يعبدون، لذا لا تعجب يا أخي المتظاهر أو الديمقراطي المعارض من اختلافي معك في الرأي ، فكما لك الحق في ما أنت فيه من طين – في رأيي –، لي الحق في الإعتزاز برأيي، أقول هذا لأن أكثر الديمقراطيين في هذا البلد لا يفهمون الإختلاف في الرأي، وبدل الرد على الرأي بالرأي والعقل تراهم ينغمسون في مستنقع سوء الظنون وكيل الإتهامات، والفجور في الأقوال والأفعال..
لقد سبق وكررت أن أقرب وصف لهؤلاء الشباب الناعقين في الشوارع بهذه السلمية التحضرية التعيسة، هو الخروج، لإرتباط خروجهم بالحاكم المسلم الذي وضعه الإسلام في أعلى مقام، وأمرنا الله تعالى في قرآنه الكريم بطاعته طاعة لله، وإن كان فاجرا لما في ذلك من سلامة واستقرار، وقد رأينا بأم أعيننا ما في الخروج عليه من قتل ودمار، وما جره على بلدان عربية كثيرة لا زالت تعاني من آثاره حتى اليوم، تدمرت الجيوش وازداد المسلمون وهنا على وهن، ورغم ذلك لا يزال بعض الناعقين، بعض من يعطي لنفسه الحق في الإعتراض على كل رؤوس الدولة وأرجلها!
واحتقار هؤلاء الكبار – ولو شكليا - والتشهير بهم ورفضهم والإعتراض على كل صغيرة وكبيرة يقومون بها حتى إن كان فيها الخير للبد !.
لقد رأينا كهول المعارضة – الله يهديهم، أتمنى رؤية أحدهم يستغل مواهبه في التأثير على حشد من المصلين داخل مسجد بالدين، بدل النعيق في الأزقة – يهرولون خلف شيطان الديمقراطية الذي لا يحمل في جعبته غير الخراب إن لم يصفد بإحكام (ومن وسائل تصفيده إخراج قانون يمنع منعا باتا هذا التظاهر، ويعاقب عليه بعقوبة رادعة حرصا على سلامة البلد ومجتمعه)، فيجب تقييد هذه الحريات العابثة الخطيرة التي مزقت كتب الدين، واقتحمت الوزارات والرئاسيات، بأصولنا ومبادئنا وديننا قبل كل شيء..
لقد رأينا كهولا معارضين يستغلون كل صغيرة وكبيرة من أجل الطعن في الحكومة التي تحولت إلى عدو بغيض يحقدون عليه ويتمنون لأفراده الهلاك والبوار. العداوة بين المعارضة والمولاة في مثل هذا البلد الهش المسلم الذي لا تتحقق فيه جميع شروط الديمقراطية (المتحققة في غيره من البلدان التي يوجهها الشيطان) عداوة حقيقية وإن غلفها البعض بالنفاق، فلا هدف للموالاة إلا التصفيق والبقاء في الحكم – وهذا طبيعي، لابد من حماية الكعكة -، ولا هدف للمعارضة إلا الحصول على الكرسي وما يقدمه صاحب الكرسي من تنازلات وامتيازات، أما مصالح البلد فلا يهتم بها أحد – إلا ما رحم الله -، والدليل على ذلك هو تعارض تصرفاتهم مع ما فيه مصلحة البلد من أمن واستقرار ورخاء..
إن كهول المعارضة والسياسة يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم يلعبون لعبة قذرة مبنية على الكذب والنفاق وتحقيق مصالح الأنا والجماعات الحزبية، وينافسون الجماعة الحاكمة على ما بين يديها، ولو كانوا أهل حق وخير لما دعموا المارقين المخربين (كهذه الحركات)، أو نددوا بحق منع التظاهر المخرب الذي لا يأتي بخير..
تخطئ أيها الشاب إذا توهمت أن ما تفعله من خروج إلى الشارع فيه منفعة أو مصلحة لك أو للبلد. ألم تسأل نفسك ما الذي سيتغير بخروجك الغير محسوب الغوغائي، ألا توافقني الرأي في أن الحكومة إن كانت صالحة فلا مكان لتنديدك واعتراضك على أقدار الله (كالحمى مثلا، والرئيس أيضا قدر من أقدار الله لن يدوم فاطمئن أنت وكهول المعارضة). أما إن كانت الحكومة طالحة فإن خروجك عليها لن ينفع إلا في زيادة الطين بلة، ولهذا أمرنا الإسلام بطاعة الحاكم المسلم مهما كان فساده ودكتاتوريته (ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك") !
تخيل أن كل حي من أحياء العاصمة يضم 10 حركات شبابية مجنونة (بعد تفشي ظاهرة التظاهر لا قدر الله) ، وفي كل يوم 100 مظاهرة معطلة لمصالح الناس ومهددة لإستقرارهم، وأن أهل السوء والخبث من الراغبين في إشعال هذا البلد – موجودون - استغلوا الفرصة واندسوا بينكم وألقوا شرارة الحريق، أو على الأقل اندس بينكم بعض اللصوص، أو فقدتم السيطرة على أعصابكم أو أفقدكم غيركم السيطرة عليها، ماذا ستكون النتيجة ؟
ألا تتأمل في حادثة ضرب وتمزيق ملابس مدراء شركة الخطوط الجوية الفرنسية في فرنسا بلد الثورات والديمقراطية، ألا تعرف أن رئيس ذلك البلد أعلن خجله من مثل هذه التصرفات وأنها أساءت إلى صورة فرنسا في الخارج بعد تناقل كل وسائل الإعلام لها. أتعرف، أولئك المتظاهرون أعقل منك وممن حولك من العاطلين عن العمل والغوغاء، وأكثر فهما وقابلية للديمقراطية، لقد خرجوا بحجة السلمية التي تردد أنت، والقدرة على السيطرة على أعصابهم وعلى الأوضاع، ولكن الخروج لا يأتي بخير لأن غريزة العدوان موجودة في داخل البشر (البشر ليسوا ملائكة)، وهذا ما دفعهم رغم تحضرهم وغناهم إلى التخريب، وكاد الأمر يصل إلى إزهاق الأرواح لولا تدخل البعض لحماية الأشخاص الذين تظاهروا ضدهم، ألا يكفيك هذا المثال دليلا على شؤم المظاهرات وبعد إمكانية السيطرة عليها إذا اندلعت فهي مثل الحريق الذي يرافقها..
أتحب أن يستغل بعض الغوغاء خروجك وتظاهرك من أجل السرقة والتخريب وبث الفتن بين مكونات الشعب وإشعاله، أتحب أن يستغل ذلك أصحاب النوايا السيئة، ألا تدرك أيها المثقف أن مستقبل المظاهرات هو الدخان ؟
ماذا تريدون من وزير الصحة؟ هل هو من جلب الوباء إلى البلد؟ هل عندما يتم الإعلان عن هذا الوباء الذي يتجول بين الناس بأريحية تحت أنظار الدولة العاجزة – لأي سبب من الأسباب إن ثبت عجزها -، سترتاحون ويرتاح الشعب ويزداد اطمئنانا وسكينة ؟
ما هذه الديمقراطية السخيفة التي يحتج من خلالها شاب في مقتبل العمر والعقل على أبوه ووزيره ورئيسه؟ من أنت أيها الشاب، وما المعلومات المؤكدة التي تملكها، وما الأرضية الصلبة التي تنطلق منها في نضالك هذا؟ إنها مجرد ثورات سخيفة مخربة خارجة على القانون والنظام لما ينقصها من خير وبركة، نحمد الله تعالى على قلة وضعف أهلها في بلدنا وإلا لأشتعل منذ زمن طويل..
لماذا تقللون من الثقة في كل مسئول، ألا يأمركم دينكم بالحكم بالظواهر وترك البواطن لخالقها ؟ هل تعتقدون أن باريس أو واشنطن جنة ؟ هيهات، لن توجد في هذه الدنيا جنة لأن طبعها الإبتلاء، فارضوا بأقداركم، وسددوا وقاربوا انطلاقا من دينكم، اجعلوه هو الأصل تفلحوا، ويسلم بلدكم..
توبوا إلى خالقكم أولا من سيئات الإنترنت وخبائثها ونتائجها ومن كل السيئات، ثم من هذا الخروج الذي يحمل كل صفات الخروج الأول المشئومة، ولن أناقشكم من المنظور الديني لأني أعلم أن أكثركم لا يقيم وزنا له (وإلا لما خرجتم في الأصل، ولما آذيتم مسلما بألسنتكم وأيديكم... إلخ)، بل يحترم ويجل الحريات والديمقراطيات السخيفة التي قد يرد بها على الملكين يوم يسألانه ما دينه، هو وكهول المعارضة السياسيين إن لم يتدارك نفسه..
إن شعاركم السخيف "بلد ينزف" قد يتحقق، ولكن ليس بسبب الحمى بل بسبب مظاهراتكم التعيسة الكئيبة الخانقة للأنفاس أكثر من القنابل المسيلة للدموع التي تفتتها. أصبح كل ناعق يخرج للشارع معطلا مصالح الناس، وداعيا إلى الفتنة واحتقار الكبار، والتطاحن مع الشرطة والجيش جعلهما الله شوكة في حلق كل مخرب بائس يكره لهذا البلد الأمن والإستقرار، فمهما ادعى من نضال وحرص على مصالح البلد تفضحه تصرفاته المشبوهة، ورغبته النارية في إشعال البلد على الجنرال وغيره أو التسبب في ذلك..
أيها الشباب انتبهوا لأنفسكم وخذوها مني نصيحة، لا تبتئسوا، افتحوا بيتا في شارع هذه الحياة الكبيرة فهي تسعكم جميعا، لا تنتظروا شيئا من أحد فنصيب كل أحد منا في هذه الحياة يمكنه أن يصنع منه حياة رائعة إذا استغله أحسن استغلال مهما تواضعه، فانطلقوا من إمكانياتكم مهما كانت متواضعة ولا تضيعوا شبابكم الثمين فيما لا ينفع. اختاروا أن تكونوا فاعلين ناشطين فيما يعود بالنفع عليكم وعلى بلدكم واستغلوا مواهبكم فيما لا ندم عليه أو شك فيه. لا تجلسوا 24/24 ساعة أما الوسم القاتم التعيس "بلد ينزف" لأن هذا قد يتسبب في نزيفكم قبل الجميع، واعلموا أن معاملتكم للآخرين (المسئولين مثلا) سببها ما تحملونه تجاههم في أعماقكم، فتفائلوا وسامحوا، ذلك خير من البغضاء والسياسة التي يتمنى صاحبها أن يسجن لكي يعد من المناضلين، والعياذ بالله !
يا أخي الحقوقي أو المعارض الغير سياسي، أو الشاب المتظاهر، إذا كنت ترى في الآخرين وحوشا، فأنت وحش مثلهم لأن ما تظهره هو ما تحمله في أعماقك، فأملأ قلبك بالخير والتسامح وسترى الناس بالمنظار الصحيح، وستعيش سعيد البال مرتاحا، وستربح الدنيا والآخرة معا، ففي الأخير ما هذه الدنيا إلا دار غرور، واسأل أكبر سياسي على البلد، دخل ألف سجن وسجن، وحضر ألف مهرجان ومهرجان، وناضل في ألف طريق وطريق إلا طريق دينه ! اسأله وهو على فراش العجز والرحيل وقد أدبرت أيامه العابسة مولية نادبة لحظاها، متعالية هتافاتها وخطبها الرنانة التي أصبحت هباء بين أذنيه الذابلتين: ما الذي تتمنى أن يكون متحققا لك اليوم من إنجازات ؟ وسيجيبك: العمل لله عز وجل وحده، ذلك هو الإنجاز الأهم يا بني..
"إن الحل هو الأمل، فركز دائما على الحلول بدل التركيز على المشاكل". هل سمعت يوما بأن المشاكل تُحل بالمشاكل ؟ توجد ألف طريقة وطريقة للمساهمة في نهوض بلدك من رقدته – التي طالبت - دون تعريضه للخراب والمظاهرات..
"ابتسم للآخرين وستشعر بالتحسن سواء ردوا لك الإبتسامة أم لا"، لا تكشر في وجه وزير الصحة ولا في وجه سكرتيرته، فإن ذلك لن يجلب لك الراحة، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه..
"اختر من تخالطهم، وليكونوا ممن ينظرون إلى الجانب المشرق للحياة"، انظر حولك لن ترى في من حولك من خوارج 25 غير سواد البصيرة ورؤية كل شيء بؤسا ودكتاتورية، والحياة عموما مليئة بالمنغصات ولكن لابد من التركيز على الجوانب المشرقة فيها، وعلى الواحد منا أن يحمد الله على النعم التي هو فيها فنحن في بلد آمن والحمد لله، وأغلبنا يجد قوت يومه، وما الحياة الدنيا إلا أكلة وشربة ونومة، والفقير قد يتميز على الغني في الكثير من أمور هذه الحياة..
"إن الحياة تشبه الصدى، فكل ما تقدمه ينعكس ويعود إليك، وما تزرعه تحصده، وما تراه في الآخرين هو ما يوجد لديك". ما تراه في الذين تتظاهر ضدهم والمختلفين معك أمثالي هو ما يوجد في داخلك؟ وتأمل في طرق المصلحين بدء بالأنبياء وانتهاء بالصالحين الحقيقيين (لا المزيفين)، هل سمعت بأن أحد منهم كان يتظاهر ساخطا، لاعنا من يبغضه ؟ بل بالعكس كانوا يرجون الخير للجميع حتى أعدائهم، ولا يتبعون إلا سبل السلامة في دعوتهم وإصلاحهم أي يدعون ويصلحون بالتي هي أحسن، واسأل نفسك بصدق وتجرد: هل هذه المظاهرات والإحتجاجات من التي هي أحسن ؟
إن الحياة تشبه الصدى، فكما قدمت التظاهر ستعيده إليك الشرطة بتظاهر ألعن، أو يعيده إليك غيرها، والنتيجة هي ارتفاع ألسنة اللهب وسيادة الخراب..
وفي الأخير أحببت التعليق على مقال طالعته لمناضل من هؤلاء الشباب، ذكر أن وقفتهم الإحتجاجية أمام وزارة الصحة كانت سلمية، ولكن بتتبع أقواله يتبين أنه لم يكن لهذه الوقفة محل من الإعراب، فقد ذكر أنهم دخلوا وزارة الصحة كمواطنين عاديين (أي كجمهور من المتظاهرين الأبرياء المسالمين)، وطلبوا من سكرتيرة الوزير تنظيم لقاء لهم بالوزير فرفضت (والأمر الطبيعي هو أن ترفض قبول دخول هذا الحشد أو حتى ممثليه على الوزير)، فتوجهوا مباشرة إلى مكتب الوزير (بأي حق؟ أليس هذا إخلال بالنظام)، فخرج من مكتبه بالصدفة فكلموه فلم يسمع منهم وأوصد الباب في وجوههم (ما الذي يريدون منه فعله أمام تجمهرهم وغوغائيتهم؟)، فما كان منهم إلا أن قاموا بالهتاف أمام مكتبه "يا حكومة يا دنية أوقفي الحمى النزيفية"! ثم تدخلت الشرطة واعتقلتهم بعد ذلك (وقف قليلا عند كلمة "دنية" البذيئة التي قيلت تحت مسامع الوزير، وفي عقر داره، وممن هم في عمر أولاده!)..
هكذا عرض الشاب المغتر بهذه الحريات السخيفة وجهة نظر جماعته للرأي العام، ومن مقاله هذا يتبين أنهم مجرد شباب في مقتبل العمر غرتهم الديمقراطية والحريات السياسية التي يروج لها هؤلاء النصارى وأتباعهم كهول المعارضة والموالاة في هذا البلد، وإذا تأملت وجدت في هذا المقطع من مقاله وحده الكثير من المخالفات، منها:
أولا: من هم هؤلاء الشباب وما حركتهم الناعقة هذه؟ من الذي نصبهم أوصياء على الوزراء يحاسبونهم على كل صغيرة وكبيرة؟ هل نحن في دولة أم في سيبة؟ وإذا كان الرئيس نفسه لم يسلم من وصايتهم المقيتة فكيف بمن هو دونه ؟
ثانيا: ألا يعد هذا التجمهر ودخول الوزارة، ومخالفة السكرتيرة المنظمة للمواعيد، واقتحام مكتب الوزير، اقتحاما للوزارة وجنحة ؟
ثالثا: بأي صفة يستقبلهم الوزير، ويفرش لهم مكتبه بالورود ويسمع منهم نصائحهم القيمة، وهم في مقام أولاده ؟
رابعا: بأي طريقة عاقلة يمكن لأسلوبهم هذا أن يكون نافعا لهذا البلد هم وغيرهم من السائرين في نفس الطريق المليء بالأشواك ؟ ألا يعد الغضب واللعن والهتاف المسيء من وسائل الشيطان والإساءة إلى الآخرين والتنابز بالألقاب بين المسلمين... إلخ ؟
أتمنى إطلاق سراح هؤلاء الشباب عاجلا، ولكن في نفس الوقت وضع قوانين رادعة للمظاهرات ولكل ما شابهها من الأمور المؤدية إلى الخراب التي تتكاثر فينا اليوم، فبالقانون وحده يُردع هؤلاء ويخرسون، وأتمنى من الله العلي العظيم أن يهدينا وإياهم ويفقنا إلى صالح الأعمال والأقوال..