
على ذمّة المعلّق الإسرائيلي شالوم يروشالمي، تقدّم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعرض إلى زعيمَي «المعارضة» يائير لابيد وبيني غانتس، قوامه الحصول منهما على «شبكة أمان»؛ في وجه مخاطر تقويض الحكومة الراهنة إذا انسحب منها وزير المالية بتسلئيل سموترش، احتجاجاً على الطور الثاني من صفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية. في المقابل، يعد نتنياهو بتنظيم انتخابات مبكرة قرابة نيسان (أبربل) 2026، وليس في تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام، طبقاً للموعد المقرر.
يُشار، في سياق هذا العرض المتداول، إلى أنّ سموترش يرفض، على نحو مطلق، صفقة التبادل من الأساس وفي جميع مراحلها، وأياً كانت مكاسبها الستراتيجية، كما أعلن مراراً؛ حتى إذا تضمنت هدايا من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثل وقف البرنامج النووي الإيراني واحتمالات التطبيع مع السعودية.
ولا يصحّ، عند الوقوف على سياسات سموترش، إغفال ما يتردد عن خطة سبق أن تشاور عليها مع أفراد في فريق ترامب المرشح الرئاسي، تنطوي على إلغاء الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفرض سيادة الاحتلال على 60% من الأراضي الفلسطينية. النتائج العملية لأيّ خطوات تنفيذية في هذه الخطة سوف تنتهي إلى وضع كامل مسؤوليات الحكم في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية، الأمر الذي يعني الضمّ الفعلي.
بذلك فإنّ موافقة لابيد وغانتس على عرض نتنياهو، إنْ تمّت، فإنها عملياً لن تقتصر على توفير «شبكة الأمان» المشار إليها، إذْ سبق لهما أن عرضا ذلك على نتنياهو إذا مضى قدماً في صفقة تبادل الرهائن؛ ولسوف تشمل، استطراداً، ما يتردد داخل أروقة الحكومة وحزب الليكود والأحزاب المتطرفة الأخرى المشاركة في التحالف، من نزوع نتنياهو نفسه إلى ضمّ الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، في كثير وليس في قليل فقط.
وفي جانب آخر من المقايضة، يصعب أن يتحلى نتنياهو بدرجة دنيا من الاطمئنان إلى خصمَيْه، كما يعتقد السواد الأعظم من راصدي سلوك رئيس اللاعب الأطول عهداً في رئاسة الحكومة، والأمهر في التحايل على نتائج صناديق الاقتراع. فإذا صحّ أنّ لابيد وغانتس يمكن بالفعل أن يمنحا نتنياهو مقداراً من الأمان، انحناءً أمام الرغبة الشعبية في الذهاب أبعد حتى تحرير جميع الرهائن؛ فإنّ إسقاط حكومة الأخير الراهنة، وقذفه شخصياً إلى أتون القضاء والمحاكمة، وتقويض تحالفه الذي بات هشاً قابلاً للانفراط… تظلّ على أجندة «معارضة» إسرائيلية لم تعد تملك من هوامش التحرّك السياسي ما يتجاوز سقوف المؤامرات والدسائس.
وسوى هذه وتلك، قد يتعين على نتنياهو أن يجد ترامب، حين سيلتقي به الأسبوع المقبل، أكثر تصميماً على تجيير المزيد من غنائم صفقة التبادل لصالح جهود الأخير ونفوذه؛ الأمر الذي قد يرتبط أيضاً برغبة متأصلة لدى الرئيس الأمريكي في توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام كي تشمل السعودية، ومنح هذا المسعى أولوية تنفيذية على أجندات نتنياهو الحزبية والقضائية، وجهود النأي بنفسه ما أمكن بعيداً عن تلك الاستحقاقات.
كلّ هذا فضلاً عن حقيقة نفور نتنياهو من أيّ تعاقد مع لابيد وغانتس، ليس فقط لأنّ بينه وبينهما ما صنع الحدّاد، وما امتدّ عقوداً من تاريخ العداء والتربص؛ بل كذلك لأنه على يقين من أنّ الكنيست المضطرب المتلاطم غير محصّن تماماً إزاء احتمالات تأمين أغلبية الـ61 صوتاً الكافية لتقديم موعد الانتخابات، شاءت الحكومة أم أبت، وغادرها سموترش أم بقي فيها.
ويبقى أنّ الجشع إلى السلطة حكم في الماضي القريب سلوك أمثال غانتس ولابيد، وقبلهما نفتالي بينيت، ودفع هؤلاء وسواهم إلى اللهاث خلف نتنياهو تحت راية حكومة الوحدة الوطنية؛ من دون التخلّي عن سكاكين جارحة، تنتظر أن يخرّ الثور الجريح، فيسهل الإجهاز عليه.