لبنان والرئيس الجديد: قَبسٌ في عتمة الأزمات... بقلم: عز الدين بن ثابت

جمعة, 01/10/2025 - 23:34

يعيش لبنان في هذه الأيام حقبةً حاسمةً من تاريخه السياسي، تشتد فيها وطأة الأزمات وتتفاقم فيها معالم التحديات. لقد آل الأمر إلى انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، في لحظة عصيبة يحيا فيها الوطن على حدِّ السيف بين أمواج متلاطمة من الأزمات الاقتصادية والتصدعات الاجتماعية. هذا البلد الذي كان يومًا درةَ الشرق ومهوى أفئدة العرب، صار مسرحًا للآلام ونزفًا لا يندمل، وهو اليوم يتشبث ببارقة أمل يتطلع إليها اللبنانيون بقلوب يعتريها الحذر والرجاء.

رجلٌ من صلب المؤسسة العسكرية: بين الحزم والرؤية

لم يكن جوزيف عون في مسيرته رجلاً عادياً، بل كان نتاج سنواتٍ طويلة من العمل الدؤوب في كنف المؤسسة العسكرية. نشأ وترعرع في الجنوب اللبناني، تلك الأرض التي اختبرت مرارة الصراعات وعذابات الاحتلال، فكان لها في روحه أثرٌ عميق. التحق بالكلية الحربية في مقتبل شبابه، في حقبةٍ مشحونة بالحروب والاضطرابات التي عصفت بلبنان في سبعينيات القرن الماضي.

وبعد عقودٍ قضاها في ساحات القتال ومواقع القيادة، أضحى رمزًا للاستقامة والعزم. حين تولى قيادة الجيش عام 2017، وجد نفسه في مواجهة وضع داخلي معقد، حيث كانت الأزمات السياسية تلقي بظلالها الثقيلة على المؤسسة العسكرية. ومع ذلك، نجح في الحفاظ على وحدة الجيش وحياده، ليكون بذلك صمام أمانٍ للبلاد وسط فوضى السياسة. واليوم، وهو يتقلد أمانة الرئاسة، يجد نفسه أمام تحدٍ أكبر: بناء الدولة من جديد، وإخراجها من مستنقع الوهن والانقسام.

لبنان: وطنٌ يئن تحت وطأة الأزمات

ليس خافيًا على أحد أن لبنان يعيش واحدةً من أشد المراحل قسوةً في تاريخه الحديث. فمنذ الانهيار المالي الكبير عام 2019، فقدت العملة الوطنية قيمتها، وأصبح المواطن اللبناني يكابد للحصول على ضروريات الحياة، من كهرباءٍ ومياهٍ ووقودٍ وحتى الغذاء. أما الفساد، فقد نخر عظم الدولة وأهلكها، وها هو اليوم العائق الأكبر أمام أي محاولةٍ للإصلاح.

الرئيس الجديد ورث عن أسلافه حملاً ثقيلاً، حيث البلد يغرق في ديونٍ متراكمة ومؤسساتٍ شبه مشلولة. ولا يخفى أن هذه الأزمات ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج عقودٍ من السياسات المرتجلة والارتهان للمصالح الضيقة.

رؤيةٌ مستقبلية: مسؤولياتٌ جسيمة وأعباءٌ ثقيلة

إن الطريق أمام جوزيف عون لن يكون مفروشًا بالورود، بل مليئًا بالعقبات والمنعرجات التي تتطلب رؤية حكيمة وإرادةً صلبة. فمن بين أولوياته الملحة إعادة الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، وهي مهمةٌ عسيرة في بلدٍ استشرى فيه اليأس وفقد الناس إيمانهم بمؤسساتهم. كما أن إصلاح النظام المالي ومكافحة الفساد يشكلان حجر الزاوية لأي مشروعٍ نهضوي. بيد أن التحدي الأعمق يكمن في إعادة صياغة النظام السياسي الذي طالما كان معوقًا لأي مسارٍ إصلاحي.

إن لبنان لا يحتاج اليوم إلى قراراتٍ سريعةٍ أو حلولٍ ترقيعية، بل إلى خطة استراتيجية طويلة المدى تُخرج البلاد من أتون أزماتها، وتعيدها إلى مكانتها الطبيعية كجسرٍ للتواصل بين الشرق والغرب. غير أن تحقيق ذلك يتطلب تعاونًا إقليميًا ودوليًا ودعمًا داخليًا صادقًا.

الرهان على المستقبل: بين الأمل والحذر

إذا كان التاريخ يُعلمنا شيئًا، فهو أن الأوطان لا تُبنى بالمعجزات، بل بالعمل الدؤوب والرؤية الثاقبة. وجوزيف عون، الذي عركته ساحات الميدان، يدرك أن معركة بناء الوطن لا تقل شراسة عن معارك القتال. لكن التحدي الأكبر أمامه يكمن في مدى قدرته على تحويل الجيش الذي قاده يومًا كرمزٍ للوحدة، إلى دولةٍ تكون هي الأخرى رمزًا للعدالة والتنمية.

وفي ظل هذه التحديات الماثلة، يبقى السؤال مطروحًا: هل ينجح الرئيس الجديد في تحقيق ما عجز عنه من سبقوه؟ أم أن لبنان سيظل أسير دوامة الأزمات التي لا تنتهي؟ الجواب ليس بيد القائد وحده، بل في تضافر جهود الشعب والقيادة على حدٍّ سواء.

وفي محضر هذا المشهد الذي تتقاطع فيه التحديات بالآمال، لا يسعنا إلا أن نقول إن لبنان اليوم يقف على عتبة امتحانٍ جديد، قد يكون بداية لمسارٍ مختلف، أو استمرارًا لرحلة الألم التي لم تُغلق فصولها بعد.