كلمة الاستقلال الوطني من حيث الإصطلاح تعني قيام نظام حكم في إقليم محدد ببسط سلطته الكاملة على عموم الحيز الجغرافي المشكل لدولته حسب المواثيق والعهود المتعارف عليها عالميا
،ولايمكن أن تكون الدولة مستقلة بالمعنى الحقيقي للكلمة حتى تحكم نفسها بنفسها دون سيطرة خارجية، وتتوفر لديها الأسس الموضوعية لإطلاق الحريات الفردية و الجماعية، واختيار النظم السياسية المناسبة التي تعزز الاعتماد على الذات و تحسن من الظروف المعيشية لمختلف فئات الشعب .
اليوم ، تطل علينا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذكرى الرابعة والستون (64) لعيد الاستقلال الوطني المجيد ، و هي فرصة في الواقع لإستحضار كل معاني التضحية و الجهاد
التي بذلها أجدادنا في سبيل نيل الحرية
و الانعتاق من الهيمنة الأجنبية، بعد عقود من المقاومة العسكرية والثقافية والسياسية، أجبرت المستعمر في نهاية المطاف على ترك المجال لأبناء موريتانيا للإعلان عن دولتهم المستقلة وهو ماتم بالفعل في 28 نوفمبر سنة 1960م .
وبالرغم أن موريتانيا لم تستفد من أي منجزات تنموية تذكر خلال الفترة الاستعمارية مقارنة بجارتها السينغال وبقية المستعمرات الفرنسية الأخرى في الغرب الإفريقي، فإن علو همة رجال التأسيس ووطنيتهم المشهودة مكنتهم من إعطاء الأولوية لتوحيد الجبهة الداخلية و تجاوز الخلافات الضيقة الإتنية والقبلية، والجهوية من أجل إرساء مبادىء الأخوة و التسامح و إقامة التضامن الوطني على
أساس متين باعتباره شرطًا لا غني عنه في صيانة و تدعيم مكسب الاستقلال الوطني.
صحيح أن البلاد واجهت خلال العقود الخمس الماضية تحديات تنموية جسيمة بفعل عوامل داخلية و خارجية عديدة، لم تستطع أنظمة الحكم المتعاقبة إيجاد الحلول الناجعة لها . وقد تركت هذه التراكمات بصماتها واضحة على المشهد
السياسي الوطني الذي أزداد تأزيمًا وتشرذمًا خلال العقدين الماضيين.
فالأكيد ، أن الدولة الموريتانية في ظل قيادة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لملمت جراحها و آثرت المصالحة بين مختلف الطيف السياسي الوطني على التصادم
و الصراع العقيم، والأهم من ذلك كله أن هذا الرجل أعاد للوطن قيمه وأخلاقه التي كاد يفقدها بسبب طوفان العولمة الجارف وغياب الوازع الوطني الأخلاقي وطغيان المادة وإكراهاتها.
ويحسب للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كذلك انتهاجه لسياسة الانفتاح والحوار مع الجميع باعتبارها السبيل الأوحد من وجهة نظره لخدمة الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه وتوحيدهم حول رباط المواطنة و المساواة في الحقوق و الواجبات.
و بالفعل فقد خطت الدولة الموريتانية في ظل المأمورية الأولى من حكم الرئيس، خطوات جبارة في مجال الرفع من المستوى المعيشي للسكان و الحد من الفوارق، حيث أنجزت مشاريع تنموية
مهمة لصالح الفئات الهشة من الشعب شملت العون الاجتماعي والولوج للسكن اللائق و التأمين الصحي و تمكين المرأة، وإشراك الشباب في الحياة السياسية كما تم تطبيق إصلاحات أخري شملت الحكامة الاقتصادية والمالية، وتنمية القطاعات الإنتاجية وتم تحقيق نتائج ملموسة في مجالات الاستصلاح الترابي والعمران والزراعة وتطوير الثروة السمكية والحيوانية و إعادة تنظيم قطاع المعادن وتوسيع شبكات الطرق الحضرية و الريفية و فك العزلة عن عديد المناطق الداخلية . هذا علاوة على الجهود التي بذلت في مجال تحسين نوعية التعليم و تطوير منشآته .
وتعمل الحكومة حاليا في ظل المأمورية الثانية للرئيس على ترسيخ دولة المؤسسات و الحكامة وتقوية البناء الاقتصادي وتطوير جاهزية الموارد البشرية و تحصين الإنسجام الاجتماعي وتحقيق الأمن الجيو سياسي، من خلال اعتماد برنامج " طموحي للوطن" الذي اختاره فخامة رئيس الجمهورية شعارًا للمأمورية الجديدة.
وقبل أن أختتم هذه العجالة فإني أدعو إلى لفتة كريمة تصحح المناهج المتعلقة بتاريخ الاستقلال الوطني وتعطي كل ذي حق حقه وتعترف لأهل كل فضل بفضلهم، فموريتانيا تتسع لجميع أبنائها وتعتز بجهودهم في صناعة مجدها وتاريخها.
وبما أننا نعيش اليوم عهد "الإنصاف"، فإنه من واجبنا جميعًا أحزابًا سياسية وقادة رأي ومثقفين ومنظمات مجتمع مدني و مواطنين عاديين الالتفاف حول برنامج فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ومساندته من أجل تحقيق تطلعات شعبنا وحماية استقلالنا. وذلك إنصافًا للرجل وإحقاقًا للحق ووفاءً للتاريخ