برقية الخلود..إلى روح السنوار....عبد أحمد سالم

اثنين, 10/21/2024 - 17:03

الأسئلة التي تراودك عندما تحاول الكتابة عن رجال سمت بهم الهمم حتى طاولوا الثريا هي هل يحق لنا أن نكتب عن أولئك ؟ هل يطيقون - على رحابة صدورهم – حروف المتخلفين القابعين بعيدا في عوالم العجز ؟
إن كان الجواب بنعم يحق لنا فهذا شرف عظيم وفرصة استثنائية.. وإن كان لا فقد حملت بباقة شوق وبرقية اعتزاز مطرزة بصادق المشاعر التي لا تعبر عن كامل ما نكنه من إعجاب وتقدير لأسطورية القائد الفذ في فؤاد الأمة المكلوم، سألقيها على عجل وفي خجل مضمنة بعض الأسئلة لا تضرها صيغة التعجب.

أبو براهيم (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) سلام عليك يوم عزمت ويوم حزمت ويوم أقدمت -والشجاع مقدام- ويوم التحمت مع العدو في الميدان تقاتلهم وجها لوجه، ويوم تبعث حيا.
ولقد كنت رمزا لقوة العزم حين لم تنل منك عقود من تعاطي سجونـ: المجدل والرملة والسجون الأخرى المطبقة المظلمة، ولا سيوط جلاد تخصص في فن التنكيل بالعزل وتثبيط همة العربي المسلم الرافض
كنت رمزا للشجاعة والعزم والإمضاء يوم (صبحتهم بكرة عذاب مستقر) فحطمت في رمشة عين أسطورة "الجيش الذي لا يهزم" وعريتهم أمام العالم وقد خدعوه طويلا، وأمام جوار عربي استسلم منذ سنوات للهوان والذل.

لقد كنت أرى فيك حتى قبل السابع من أكتوبر الطوفان الهادر، في قسمات وجهك وجسمك الذي يرفض أن يفارقه النحول جراء حمله هم وطن منكوب منذ 70 عاما، كنت أرى في صرامتك لظى لهيب سيندلع فجأة يلفح من بعيد كأنه يهيئ أرض المعراج ويطهر مسرى الرسول وما حول المسجد الأقصى المبارك، يطهر القدس وعموم فلسطين من أدران عقود الاغتصاب الصهيوني، كنت أراك تحرق بلا رحمة أخضر الكيان قبل يابسه ومشروع التطبيع وتتبر بأمر ربك ما علوا تتبيرا
ولقد كنت شجاعا ليميز الله بك الخبيث من الطيب فاتضح أن الذي بينك وبين بني عمك لمختلف جدا حين تحاوزت أسباب خنوعهم وخضوعهم وقد تكاثروا عددا واكتملوا عدة وأنت تخطط للطوفان المجيد
يا أبا إبراهيم من أين لك كل هذا الدهاء والمكر وهذ القدرة على التخطيط والتنفيذ وأنت القادم من عقود القهر في المعتقلات ؟ كيف وصل بك الدهاء ورباطة الجأش وقوة الشكيمة أن تخدعهما استراتيجيا وتسدد لهم الضربة التي لن يقفوا بعدها أبدا أتريد أن تقول لنا إن السجن لا يفت في عضد وعزم المؤمن المتوكل على الله؟ نعم هو كذلك وقد وصلت الرسالة
كنت رمزا للمقاومة والصبر والجلد حين استطعت الصمود عاما كاملا في وجه آلة الامبريالية العالمية التدميرية، وما كان للكيان ليصمد في وجه الطوفان لولا المدد الغربي من أمريكا ورفيقة غزواتها بريطانيا وفرنسا صاحبة الإرث الاستعماري النتن في كل القارات والمذنبة أبدا ألمانيا، بمساعدة جوار لو كان اكتفى بالصمت والاستشارة للعدو خلف الأبواب المغلقة لكان ضره للمقاومة أقل من نفعه للعدو.
ولقد عولوا جميعا على انكسارك وكتائبك وعلى نفاد صبرك وزادك فأخلوا فخر صناعتهم دبابة "الميركافا فإذا بك تحولها الى خردة يلعب أطفال القطاع الأبي بقطعها الصلبة ثم جاءت مدرعة النمر فاغتصبها الياسين 105 وحولها إلى "غربال فلا تمسك حين يشتد الوطيس عن "جنود الحفاظات" إلا كما يمسك الماء الغرابيل .
وإنه ليس أغرب من هذا الصمود إلا أن يتمكن عربي مسلم من صنع سلاحه بيده ويوجهه نحو عدوه لا يهاب يوم صناعته عقوبات أمريكية أوروبية ولا يخاف عمالة جاسوس تنسف المشروع في مراحله المبكرة وربما وأدتها في المهد .

حدثني عن الطوفان العظيم والحديث عنه ذو شجون، قل لي في أي كلية حربية خططت للعبور العظيم يوم 7 أكتوبر بكل هذا الاتقان وهذه الدقة، ماهي أدوات تلك الكلية ومستوى عراقتها بين نظيراتها في العالم ما منهج بحثها تفاصيل مكاتبها وخرائطها وميزانياتها، مسؤول التخطيط الاستراتيجي فيها
ولقد أنسيتم عشاق كرة القدم تصدي القرن في نهائي كأس العالم 2022 في قطر حين تدخلتم في الوقت بدل الضائع كمدافع ينقذ مرمى فريقه في مباراة حاسمة، فقد كانت أزفت لحظة تجاوز القضية ومن تخلف عن ركب التطبيع كان قد عدل عن قراراه ويستعد لوضع الختم النهائي أسفل ورقة الاستسلام للتطبيع الأخيرة ثم قلبتم طاولته المشؤومة عليهم في اللحظات الأخيرة ..تجرفها بالطوفان

قال زعيم عربي قبل فترة إن الرجولة في الشرق الأوسط هي السباحة عكس مشروع ترعاه "الماما أمريكا" في المنطقة وقد جسدت الرجولة فقد كانت المنطقة كلها بين مطبع ومهرول نحوه برعاية "الماما" و"أنت تعلم أن السباحة عكس مراد أمريكا نتيجته سحل بلا رحمة" كما قال الزعيم العربي .

قالت عنك العبرية وسكاي نيوز عبرية والشرق الأوسط وغيرهم من إعلام العار الناعق بالعربية أنك هربت على مصر وأنك مختف بين أسرى العدو والمدنيين وأنك كذا وكذا فكان مشهد حسن خاتمتك إجابة شافية مكتوبة بدمائك في مشهدك الأخير. وملخصة ليس شجاعتك ورجولتك فقط بلـــــ: (القصة قصة أرض وعرض ودين، قصة عزة وكرامة و"إن تحريرها كلها ممكن وإن تحريرها كلها قد بدأ")
أيمكن أن تسمح لي بإيجاد عذر لقادة المنطقة وزعمائها منك كبطل قومي ومن جميل صنعك وقبيح صنعهم، فكما تعلم عقدوا قمتين خلال الحرب وكان مقررا أن تحتفي بنصرك التاريخي جامعة الدول العربية فأنت بطل وزعيم عربي مسلم ولكن منظمة المؤتمر الإسلامي نازعتهم شرف استضافتك.. فتأجل قرار استقبالك حتى تحرير سيادة مصر في قرار إدخال المساعدات والفرق الطبية وإجلاء الجرحى عبر معبر رفح وفي الأثناء انقرض السجاد الأحمر في أسواق القاهرة والعريش بسبب احتكار إيران فتعذر استقبالك بطريقة تليق بزعيم مثلك ثم حالت أخيرا ترتيبات فنية وأمنية من وصول الزعماء لمحور صلاح الدين لاستقبالك وتبادل التهاني بذلك الإنجاز الاستثنائي والتقاط الصور معك على طريقة الكونغرس مع حليفهم نتن ياهو ..في جو كهذا استحالت برمجة خطابك التاريخي تحت أعين وكاميرات العالم وتصفيق الزعماء فكان لابد من هذا "المنولوك" كان لابد من تبرير ولو جاء من أبعد نقطة عن غزة من العالم العربي ومن "مكطوع نعاله لا يمثل إلا نفسه" إن كان يمثلها أصلا وكان عذرا أقبح من الصمت.

مع ذلك يا أبا براهيم وبغض النظر عن نية قادة المنطقة فإنه يجدر بي أن أبلغك تحية اعتزاز صادقة خالصة ليست كمواقف الزعماء، من الجماهير العربية والشعوب الإسلامية واحترام أحرار العالم لك ولمسيرتك المظفرة التي ختمتها بملحمتك البطولية تلك، و لعل القادة أيضا تكن صدورهم لك إعجابا كبيرا، لكن على الأرجح جلهم لن يتمكن من توجيه تحية إليك ولا تعزية رفاقك وأمتك فيك كما لم يتمكنوا من لقائك بالأعذار السابقة التي لو صدقت لكانوا أشباه زعماء، ولذلك ما يبرره فالمفهوم الذي صغته أنت أخيرا لـــ – "زعماء" - سيحرجهم كثيرا ويجرد أغلبهم من الألقاب ومن النياشين المزيفة المعلقة على أكتافهم، ولقد جردت كلمة "زعيم" من مدلولها وأفرغتها من محتواها الذي ألفناه فنزعت منها: الأبهة والحراسة وفخامة المكتب ولمعان البدلة وبرودة التكييف وزركشة المحلقات ووفرة المأكل والمشرب ونعومة السرير وتعدد الهواتف والأجهزة، وهذا يصعب تقبله، لقد جردتها إلا من الشجاعة والإقدام وعزة النفس والإباء ورفض الذل والهوان، وحولت قصور الزعامة المترفة أنفاقا وركاما وحولت أثاثها المرتب آرائك مغبرة يجلس عليها فقط مثخن الجراح بعد أن شج رأسه وأصيب ساعده ويستعد لتسليم روحه لباريها، وقتها يمكنه الجلوس، يجلس كزعيم بكامل الأبهة حتى لا يقع على وجهه عندما يسلم الروح، ولقد حولت بدلاتها الزاهية الألوان بزة ينازع الجسم فيها الرصاص والقنابل اليدوية، حولت أجهزتها الذكية المتعددة الاستخدامات أذكارا وسبحة، أفرغتها من الأبهة والترف والحراس حين تقدمت الصفوف على بعد أمتار من السياج ومن تمركزات العدو تقاتل تناور تتفقد الجند وتحمي ظهر الكتائب بينما يخالون – من فرط جبنهم- أنك بين الأنفاق تتخذ من أسراهم دروعا بشرية وما جبنت ولا هنت في سبيل غايتك.
يا أبا براهيم من اين أتيت إلى عالمنا وهل تنتمي إليه فعلا ؟ فقد كنت أعلم أن فلسطين استثناء في كل شيء فالمرأة الفلسطينية لا تحمل كي تنجب طفلا عاديا بل تغرس غصن زيتون في باطن أرضها المعطاء فيخرج شوكا وقرنفلا في حلق الاحتلال ولكن أدركت أن غزة استثناء داخل الحالة الفلسطينية

يا أبا براهيم على الرغم من أن عقولنا لم تكن لتصدق أن زعيما في عصرنا الحالي يقاتل في الميدان ولو قالت المقاومة ذلك لصعب علينا تصديقه على صدق المقاومة في كل ما جربناه منها فقد تأكدنا بكاميرا العدو – والحق ما شهد به - أنك استثناء من بين كل القادة والزعماء ورجالات الصف الأول في كل كيان على وجه الأرض، ولقد أعادنا مشهدك الأسطوري الذي صوره العدو إلى أيام عزة الحق وعظمة التضحية في سبيل سمو الغاية، أيام كان الصحابة رضوان الله عليهم يتصدرون ساحة المعركة.
..ثق أنهم خلدوك رمزا فوق رموز القضية، قضية لم يبقي الزمن في ذاكرة الامة الجمعوية مكان فيها لرمز حتى كنت الرمز الأيقونة، لن يطاول مجدك بعد اليوم بطل وستتسابق الأمهات إلى تسمية أبناءها عليك تيامنا واعترافا ووفاء ومحبة حتى نكون أمة المليون سنوار في القريب العاجل والعاقبة للمتقين
عشت الخلود يا أبا براهيم وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.

الفيديو

تابعونا على الفيس