تقديم:
الهجرة النبوية في حدثها التاريخي تعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم صحبة أبي بكر الصديق من مكة إلى المدينة بعد أن أذن له ربه بالهجرة وهي سنة الأنبياء من قبله{1}
وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة "فاظهر الله بذلك أن دين الإسلام ليس وقفا على بلد ولو كان هذا البلد هو مكة ...وأظهر الله أن الإسلام ليس وقفا على قبيلة ولو كانت هذه القبيلة قريش ... فاختار الله مدينة أخرى غير أم القرى لتكون مأوى الرسول
ودار الهجرة ومنطلق الإسلام وأختار قبيلة أخرى لتكون أنصار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم{2}
وقد كانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تلك حدثا هاما غير مسار الدعوة الإسلامية من دعوة محلية محاصرة إلى دعوة عالمية متحررة تخطو بثبات نحو قمم الريادة فلم تكن تلك الهجرة مجرد حدث عابر عاشه رجال بعينهم بل كانت وبسبب ما أحدثته من متغيرات حدثا عالميا ارتسمت معالمه في ذاكرة التاريخ فبسبب هذا الحدث أصبح المسلمون يمارسون شعائر دينهم بكل اطمئنان وصار الرسول صلى الله عليه وسلم يمارس دعوته في منتهى الحرية وبنيت المساجد وتمت المؤاخاة بين المسلمين وعقدت المعاهدات وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجا وأرسلت الرسل إلى مختلف البلاد لدعوة أهلها إلى الدين الإسلامي الدين الذي ارتضاه الله للناس كافة والذي جاء به محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
وفي كل سنة تطل علينا ذكرى عزيزة على قلوبنا ذكرى الهجرة النبوية
وهي مناسبة عظيمة لاستحضار هذا الحدث الهام ومعانيه السامية وتتبع مسار تلك الرحلة الخالدة وهو ما نروم في هذه العجالة كشف النقاب عنه.
مفهــــــــــــوم الهجــــــــرة:
الهجرة في اللغة:من هجر وهو ضد الوصل والهجرة والمهاجرة من أرض إلى أخرى ترك الأولى للثانية{3}
والهجرة في الاصطلاح الشرعي:الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن ومن دار الكفر إلى دار الإسلام{4}
وقد يفرض الهجرة موقف معين فمثلا بعدما تأكد كفار قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم ماض في دعوته وسائر في ذم ألهتم بدؤوا يظهرون له العداء ولأصحابه بل ويواجهونهم بشتى وسائل القمع والإذاية.
فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يتعرض له أصحابه أشار عليهم بالهجرة إلى أرض الحبشة فامتثلوا لأمره وخرجوا في هجرتين متتاليتين إلى الحبشة فرارا بدينهم وحرصا على أمنهم وذلك لأن الهجرة في سبيل الله منطلق للنفوس المؤمنة ومتنفس لها تتمتع فيه بحريتها الإنسانية وكرامتها الآدمية{5}
علـــــــى درب الهجـــــرة:
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما رأى من إعراض قريش عن رسالته ومحاولتها صده عنها بكل الوسائل صار يخرج إلى القبائل ليحموه حتى يؤدي رسالة ربه.
كما كان يخرج في موسم الحج للقاء الوفود وكان من بين العرب الذين يحجون البيت الحرام عرب يثرب الأوس والخزرج وكانوا متناحرين فيما بينهم فلا تكاد الحرب بينهم تضع أوزارها حتى تبدأ من جديد لكن شاء الله أن يعيد الفتهم وأن يكون ظهور هذا الدين على أيديهم ففي موسم الحج من السنة الحادية عشر من البعثة النبوية التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة نفر من الخزرج فعرض عليهم الإسلام فبادروا إلى إجابة دعوته ودخلوا في دين الله وحملوا رسالة الإسلام إلى يثرب حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم{6}
وفي موسم الحج من السنة الثانية عشر وفد أثنا عشر رجلا من أهل يثرب منهم خمسة من الذين التقوا برسول الله في العام السابق.
وقد اتصل هؤلاء برسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه بيعة النساء{7}
وقد عرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى وبعد أن تمت البيعة وبعد انتهاء الموسم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المبايعين مصعب بن عمير رضي الله عنه ليعلم المسلمين في يثرب شعائر الإسلام
ويفقههم في دينهم وليقوم بنشر الإسلام .
وفي السنة 13من النبوة جاء إلى مكة بضع وسبعون من المسلمين من أهل يثرب لأداء مناسك الحج{8}
وقد قاموا باتصالات سرية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أدت إلى اتفاق الطرفين على الاجتماع في أوسط أيام التشريق وأن يكون هذا الاجتماع في الليل وفي سرية تامة ولما مضى ثلث الليل خرج القوم من رحالهم يتسللون تسلل القطا حتى اجتمعوا في الشعب عند العقبة ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءهم ومعه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه.
وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات وكان أول المتكلمين العباس بن عبد المطلب فقال:"يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عزمن قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم و اللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن دعوه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده"فقالوا قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وألقى بيانه ثم تمت البيعة وقد عرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الثانية ومن بنودها:
ـ البيعة على السمع والطاعة في المنشط والكسل.
ـ البيعة على النفقة في العسر واليسر.
ـ البيعة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ـ البيعة على أن يقوموا في الله ولا تأخذهم لومة لائم.
ـ البيعة على نصرته إذا قدم إليهم ومنعه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم ولهم الجنة.
وبعد إقرار هذه البنود بدأ عقد البيعة بالمصافحة أما بيعة المرأتين اللتين حضرتا البيعة فكانت قولا فما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط {9}
وبعد البيعة طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المبايعين انتخاب اثني عشر نقيبا يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة .
ولما تم انتخابهم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "انتم على قومكم بما فيكم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي"يعني المسلمين قالوا نعم{10}
وبعد أن تمت بيعة العقبة الثانية وبعد أن نجح الإسلام في تأسيس وطن له أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى هذا الوطن الجديد"يثرب" ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني رأيت دار هجرتكم ذات نخيل بين لابتين "ـ وهما الحرتان ـ فهاجر من هاجر قبل المدينة {11}
وأقام رسول الله بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة غير من فتن أو حبس إلا علي بن أبي طالب و أبوبكر الصديق رضي الله عنهما {12}
وتجهز أبوبكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" فقال أبوبكر وهل ترجوا ذلك بأبي أنت فقال "نعم" فحبس أبوبكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر{13}
ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم وبغير بلدهم ورأوا خروج المهاجرين إليهم أدركت خطورة الموقف وخافت على مصالحها الاقتصادية وكيانها الاجتماعي القائم بين قبائل العرب{14}
فاجتمعت قيادتها في دار الندوة ـ وهي دار قصي بن كلاب وكانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها ـ للتشاور في أمر القضاء على قائد الدعوة بعد أن خافوا من خروجه للالتحاق بأصحابه بعد أن صاروا في منعة في دار الهجرة{15}
وقد اجمع هؤلاء المجتمعون في دار الندوة على تنفيذ خطة دنيئة لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استبعدوا فكرة إخراجه من مكة أو سجنه{16}
وكان مما أنزل الله عز وجل من القران في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له قوله تعالى :{ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} {17}
ولما أحكمت قريش خطتها لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل بوحي الله وأخبره بمؤامرة قريش وأن الله قد أذن له في الخروج وحدد له وقت الهجرة قائلا :{ لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه}
وبينما أبوبكرـ رضي الله عنه ـ جالس مع عياله وقت الهاجرة إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا فهب يتلقاه وقلبه يتيقن أن أمرا قد حدث لتغير وقت مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقنعه فأخبره بأنه قد أذن له في الهجرة فطلب منه أبوبكر الصحبة فوافق صلى الله عليه وسلم وأخذ إحدى الراحلتين بالثمن ورسم مع أبي بكر الصديق خطة الهجرة ثم عاد إلى بيته ينتظر مجيء الليل.
ولما كانت العتمة تجمع فتيان قريش على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرصدونه متى نام فيثبون عليه.
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوا أمر عليا بن أبي طالب أن ينام مكانه وأن يتسجى ببرده صلى الله عليه وسلم الذي كان ينام فيه ففعل علي ذلك{18}
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب ونثر منها على رؤوسهم وهو يتلوا قوله تعالى :{يس والقران الكريم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} {19}
فأخذ الله أبصارهم فلم يروه وهو يتجول بينهم وأتى إلى أبي بكر فخرجا متجهين إلى غارفي قمة جبل عرف في التاريخ بغار ثور وكان ذلك في 27من صفر من السنة 14من البعثة النبوية الموافق 12أو13شتمبرسنة 622م {20}
فــــــــي الغار:
وصل الرفيقان الرسول صلى الله عليه وسلم وأبوبكر الصديق إلى الغار فأبى أبوبكر إلا أن يرتاده مخافة أن يكون فيه ما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت في جانبه ثقبا فشق إزاره وغلقها به فبقي اثنان متجاوران سدهما بقدميه ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادخل فدخل صلى الله عليه وسلم ولم يلبث أبوبكر رضي الله عنه أن لدغته حية فلم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بك يا أبابكر؟قال لدغت فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده{21}
وهكذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي المتآمرون ينتظرون حتى جاءهم من أخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنثره التراب على رؤوسهم فلاحظوا التراب ولكنهم نظروا من خلال الباب فرؤوا عليا مسجى ببرد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعبؤوا بذلك الخبر لكن ما إن انجلى الصباح حتى نهض علي رضي الله عنه من نومه فأدركوا صحة الخبر وعندها جن جنون قريش وخرجت عن بكرة أبيها تفتش عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق وأعلنت عن مكافأة قدرها مائة ناقة بدل ل منهما لمن يأتي بهما حيين أو ميتين وحينئذ جدت الفرسان وقصاص الأثر في البحث وقد قادهم الأثر إلى باب الغار و كان الرفيقان يرقبانهم وهم واقفون على فم الغار فقال أبوبكر لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم :"ماظنك باثنين الله ثالثهما "{22}
وأعمى الله أبصار المشركين فلم يلتفتوا إلى ذلك الغار وكان ذلك معجزة أكرم الله بها نبيه فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة {23}
وقضى رسول الله صلى الله عليه وسل وصاحبه بالغار ثلاث ليال :ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد{24}
وكان يأتيهما أثناءها عبد الله بن أبي بكر بكل ما تدبره لهما قريش من المكايد ثم يرجع ليصبح بمكة ويتبعه عامر ابن فهيرة مولى أبي بكر بغنمه ليعفي على أثره ثم إن عامرا يأتيهما بعد حلول الظلام بغنم أبي بكر لينالا من لبنها ولحمها.
فـــــــي الطــــــــريق:
وبعد مضي ثلاث ليال جاءهما دليلهما عبد الله بن أريقط براحلتيهما وأخذ بهما طريق الساحل غير المعتادة{25}
وفي الطريق لحق بهم سراقة بن مالك فلما دنا منهم عثرت به فرسه فخر عنها ثم ركبها ثانية وسار حتى صار يسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبوبكر يكثر الالتفات فساخت قائمتا فرس سراقة حتى بلغتا الركبتين فخر عنها ثم زجرها حتى نهضت فلم تكد تخرج يديها حتى سطح لأثرهما غبار ارتفع في السماء مثل الدخان فعلم سراقة أنه ممنوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداخله رعب شديد فناداهما بالأمان فوقف عليه الصلاة والسلام ومن معه حتى وصل إليهم فاعتذر إليه وسأله أن يستغفر له ثم عرض عليهم الزاد والمتاع فقالا له لاحاجة لنا ولكن عم عنا الخبر فقال كفيتم{26}
ثم سأله سراقة أن يكتب له كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتبه له في رقعة من أدم{27}
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى مروا بخيمة ام معبد فنزلا عندها طلبا للراحة والتزود فوجداها تعيش في شدة فسألاها هل عندها شيء فلم يجداه واستأذنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شاة كانت بخيمتها ليحلبها فقالت نعم بأبي وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها وسمى الله فدرت ودعا بإناء كبير فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب وحلب فيه ثانيا ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم {28}
وأصبح بمكة صوت يسمعونه ولا يرون قائله يقول:
جزى الله رب العرش خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبـد
هما نزلا بالبر وارتحـلا به وأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا يجازى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصــــد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسالوا الشاة تشـــــهد
قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق ما درينا أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة فانشد هذه الأبيات
والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه حتى خرج من أعلاها قالت فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وان وجهته المدينة{29}
وقد ترامت أخبار هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى المدينة فكان أهلها يخرجون كل صباح يمدون أبصارهم إلى الأفق البعيد ويتشوفون إلى مقدمه فإذا اشتد عليهم حر النهار عادوا إلى بيوتهم ويتواعدون الغد .
وفي يوم الاثنين 8ربيع الأول من السنة 14من البعثة الموافق 23شتمبرسنة 622م خرج الأنصار ـ كعادتهم منذ سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إلى ظاهر المدينة ينتظرون طلعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حميت الظهيرة وعادوا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لبعض شأنه فبصر برسول اله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعلوا بهم السراب فنادى بأعلى صوته :يا بني قيلة... يابني قيلة هذا جدكم قد أقبل فهرع المسلمون إلى السلاح وتلقوا النبي صلى الله عليه وسلم فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين وأقام النبي صلى الله عليه وسلم في قباء أيام :الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس بها أول مسجد أسس على التقوى وصلى فيه صلى الله عليه وسلم بمن معه من الأنصار والمهاجرين وهم آمنون مطمئنون {30}
وخلال إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بقباء التقى به علي بن أبي طالب بعد أن أدى ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الودائع ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته متوجها إلى المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فجمع بهم وكانوا نحو مائة رجل {31}
وبعد الجمعة دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومنذ ذلك اليوم سميت يثرب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعبر عنها اختصارا بالمدينة.
وكان دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة يوما مشهورا وكانت ترتج بأصوات التكبير والتحميد وكانت بنات الأنصار تتغنى بهذه الأبيات:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينا مرحبا يا خير داع {32}
وكان سكان الأحياء يمسكون بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم راجين أن ينزل عندهم وكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم "خلوا سبيلها فإنها مأمورة " فلم تزل سائرة إلى أن وصلت إلى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت وهو مرخ لها زمامها فنهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول و أرزمت ومدت ركبتها على الأرض فقال صلى الله عليه وسلم :
" هذا إن شاء الله المنزل" {33}
{رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين} {34}
فاحتمل أبو أيوب رحله فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" المرأ مع رحله" واستضاف أبو أيوب النبي صلى الله عليه وسلم في داره {35}
وإلى هنا انتهت قصة الهجرة النبوية الخالدة التي أظهر الله فيها عنايته
برسوله صلى الله عليه وسلم يقول جل من قائل:
{إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} {36}
ولله الأمـــــــــر من قبل ومن بعد
................................
هـوامش:
1ـ نوراليقين في سيرة خير المرسلين ص 68
2ـ في موكب السيرة النبوية ص 9ـ 10 بتصرف
3ـ مختار الصحاح ص 282
4ـ منتقى الأخبار في شرح قرة الأبصار ص 78
5ـ في رياض السيرة النبوية ـ العهد المكي ص 53
6ـ نور اليقين ص 62
7ـ الرحيق المختوم ص 192
8ـ الرحيق المختوم ص 196
9ـ الرحيق المختوم ص 202
10ـ نور اليقين ص 64
11ـ الرحيق المختوم ص 211
12ـ البداية والنهايةـ ج4 ص 438
13ـ نور اليقين ص 65
14ـ السيرة النبوية:"عرض وقائع وتحليل أحداث " ج1 ص 325
15ـ السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص 56
16ـ الرحيق المختوم ص 214
17ـ سورة الأنفال الآية:30
18ـ السيرة النبوية لابن هشام ـ ج2 ص 57
19ـ سورة يس الآيات:1ـ 9
20ـ الرحيق المختوم ص 219
21ـ الرحيق المختوم ص 220
22ـ فقه السيرة للغزالي ص 126
23ـ الرحيق المختوم ص 122
24ـ الرحيق المختوم ص 122
25ـ الرحيق المختوم ص 223
26ـ فقه السيرة للبوطي ص 134
27ـ الرحيق المختوم ص 223
28ـ الرحيق المختوم ص 227
29ـ فقه السيرة للغزالي ص 129ـ 130
30ـ نور اليقين ص 70
31ـ الرحيق المختوم ص 231
32ـ الرحيق المختوم ص 231
33ـ نور اليقين ص 72
34ـ سورة المؤمنون الآية:29
35ـ الرحيق المختوم ص 232
36ـ سورة التوبة الآية:40