تباينات في إسرائيل حول تقييم المواجهة مع إيران.. وتحذيرات واسعة من فقدانها للإستراتيجية

أحد, 04/21/2024 - 14:09

ما زال التصعيد الأمني مع إيران يشغل الإسرائيليين، حيث يحاول عددٌ كبير من المراقبين منهم تلخيص وتقييم الربح والخسارة من هذه المواجهة المتزامنة مع الحرب على غزة والاشتباك مع “حزب الله” في جبهة الشمال.

لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الضربة المضادة في أصفهان، لكن في تسريبات كثيرة لوسائل إعلام أجنبية، خاصة أمريكية، قال مسؤولون سياسيون وعسكريون إسرائيليون إن الضربة كانت محددة، لكنها ناجحة، وتؤدي الهدف، وتحمل رسالة لطهران عنوانها “ديري بالك”، فيما أشادوا، قبل ذلك، بالأداء الدفاعي “الباهر” الذي أفشل الضربة الإيرانية.

وحرصت إسرائيل على مواصلة الصمت حيال الهجمة المنسوبة لها في أصفهان، تحاشياً للمزيد من التوتر أمام إيران، ورغبة بعدم إحراجها لدرجة دفعها للرد على الرد، وبدت وكأنها تأخذ بالحسبان دعوات حلفائها من العجم والعرب بعدم التصعيد مع إيران.
ولكن في الواقع لم تكن إسرائيل أصلاً معنية، ولا قادرة، لفتح مواجهة أوسع مع إيران دون مشاركة فعلية للولايات المتحدة معها، وهذا ما قاله عددٌ من المراقبين الإسرائيليين بالتلميح. وهي في الواقع قامت بهذا الرد المحدود الذي أخذ بالحسبان الحلفاء والجيران، بـبيع ما ليس لديها، واستخدمت النداءات الخارجية بالتريث سلماً للنزول عن الشجرة، خاصة أنها في حرب بلا طائل على جبهتين، وجبهتها الداخلية عاجزة عن امتصاص ضربة جديدة، بعدما تزعزعت المناعة المجتمعية منذ السابع من أكتوبر، واستمرار النزيف في الجنوب والشمال.

مسخرة
لم ينتهك هذا الصمت الرسمي المتعمّد الموجّه من القيادة العليا في إسرائيل سوى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي استخف بالرد الإسرائيلي في نشره كلمة واحدة باللغة العبرية في حسابه ضمن تطبيق “إكس” : “مسخرة” أو “ضعيف”، مشيراً بذلك لعدم رضاه من الرد الإسرائيلي الواهن، ما دفع أوساطاً إسرائيلية رسمية وغير رسمية على مهاجمته واتهامه بالمساس بالأمن القومي، بمن فيهم نتنياهو نفسه، وفق بعض التسريبات.

وما زالت وسائل الإعلام العبرية تهاجم بن غفير وتعتبر ردّه غبياً ومسّاً بالأمن القومي الإسرائيلي، وهم محقّون بذلك، وربما يستحق باقة ورد من إيران التي احتفلت بتغريدة بن غفير، أو هدية بن غفير، الذي صبّ الماء على طاحونتها، وهي في ذروة مساعيها لنفي ونكران الضربة الإسرائيلية، ولاحقاً محاولة تقزيمها، أو التأكيد على كونها صغيرة، وتمّت على يد عملاء من الداخل.

تباينات المواقف الإسرائيلية
في المقابل، وبخلاف إسرائيل الرسمية، تتداول جهات غير رسمية واسعة جداً العملية في أصفهان كرد إسرائيلي، وهنا تفاوت التقديرات بين من يعتبره مدهشاً في نجاحه وقدرته على الثأر، وإيصال رسالة، دون التورّط بحرب إقليمية لا أحد يريدها من الأطراف المعنية، وبين من يراها محدودة جداً وأضعف من الهجمة الإيرانية بكثير.

يرمز لهذه الفجوة في التقييمات غير الرسمية في إسرائيل لميزان الرعب وقوة الردع المتبادل بين إسرائيل وإيران الآن، بعد الضربتين، ما يقوله محلل الشؤون الاستخباراتية في “يديعوت أحرونوت” العبرية، و”نيويورك تايمز” الأمريكية رونين بيرغمان، مقابل مستشار الأمن القومي الأسبق الجنرال في الاحتياط. فمن جهته، يرى بيرغمان أن الرد الإسرائيلي في أصفهان مستحق وذكي، وأثبت نفسه، على الأقل في المرحلة الراهنة.

من جهة أخرى قال غيورا آيلاند، في تصريحات إعلامية، إنها “ضربة متذاكية”، متذاكية على الإسرائيليين والإيرانيين والأمريكيين، معتبراً أن صورة الهيبة والردع كانت أفضل لإسرائيل لو أنها لم ترد رداً يفهم منه أنها اختارت ردّاً هزيلاً، وربما خجولاً. وهذا يذكّر بما قاله بن غفير، بفارق أن الأول أنهى وظيفته الرسمية، بينما الثاني وزير، عضو مجلس الوزراء المصغر ومعرّف كوزير الأمن القومي.

لكن المشترك بين عددٍ كبير من التقييمات المتفاوتة والمتناقضة للمواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران هو تشديد معظمهم على خطورة بقاء إسرائيل بدون إستراتيجية
إستراتيجية أهم شيء
يؤكد رئيس الجناح السياسي الأمني في وزارة الأمن سابقاً الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم، أن نجاح الجيش، الدفاعي والهجومي، يعطينا مهلة للاستعداد للمواجهة القادمة التي ستأتي عاجلاً أم آجلاً.

ويشدد جلعاد على حيوية حيازة إسرائيل قوة عسكرية، ولكن أيضاً امتلاك تحالف إستراتيجي مع الولايات المتحدة ودول عربية.

ويقول أيضاً إن هذا الخيار المبارك موجود على طاولة نتنياهو، وعدم تبنّيه مثله مثل وجود إستراتيجية مضرة لإسرائيل. كما يدعو لإستراتيجية لإنهاء الحرب، وتسليم غزة للسلطة الفلسطينية كي تستبدل “حماسستان”.

ويمضي جلعاد في ترسيم الفجوة بين الموجود والمفقود: “ينبغي الإضافة لذلك حالتنا في الشمال.. لا يمكن أن يستمر الخراب والهجران، والحلّ إما عسكري مكْلِف، وأضراره بالغة ويستلزم تنسيقاً مع أمريكا، أو حلّ دبلوماسي متطور يمنح إسرائيل مهلة لصياغة قوتها قبيل نزاع مستقبلي”.

ويزعم جلعاد أن الجيش في الشمال يحقّق نتائج تكتيكية هامة (أمام حزب الله)، ولكن “يمكن خسارتها في ظل فقدان إستراتيجية واسعة تشمل تسوية قضية غزة أيضاً، بالتعاون مع أمريكا ودول المنطقة”، منوهاً لحاجة إسرائيل للولايات المتحدة، مقابل تهديدات أخرى، منها “محكمة العدل الدولية” التي من شأنها التحوّل لجبهة جديدة.

ويخلص جلعاد للتحذير من أن إسرائيل، مع اليد الإستراتيجية القصيرة، خاصة لدى نتنياهو، تحقّق للسنوار أحلامه بضرب قوة وهيبة إسرائيل، تصدع العلاقة مع واشنطن، ومنع التطبيع مع السعودية وغيره.

وينهي جلعاد مقاله بالتأكيد مجدّداً على ضرورة استعادة المحتجزين فوراً، بعدما تم إهمالهم بشكل مريع من قبل الحكومة.

ميزان الرعب
ويرى المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، في مقال تنشره ذات الصحيفة، اليوم، أنه من المحظور الهروب من المواجهة مع إيران، محذّراً من أنه دون معالجة التهديد الإيراني فإنه سيتحول لوجودي.

ويقول يميني إن هناك حلاً: ضربة عملاقة مع أمريكا لإيران، ومقابلها صفقة إستراتيجية عملاقة تشمل تطبيعاً مع السعودية مع استحقاقاتها المعروفة.

وفي هذا السياق، يشير محرر الشؤون العسكرية في الصحيفة يوسي يهوشع لوجود نتائج طيبة: اغتيال جنرال إيراني، التحالف الإستراتيجي الذي صدّ هجمة إيرانية، والهجمة المضادة التي أصابت موقعاً حساساً في أصفهان، منظومة دفاع جوية متطورة من طراز “إس 300” روسية الصنع المستخدمة لحماية المنشآت النووية.

وطبقاً ليهوشع، فإن ميزان الرعب مَنَعَ، طيلة عقود، مهاجمة إيران لإسرائيل مباشرة. وفي السابع من أكتوبر تآكلَ الردع، وإن تجرؤ إيران قد أنتج نظاماً جديداً.

ويضيف: “امتحاننا القادم: عندما تحين فرصة لاغتيال جنرال إيراني، ستتم دراسة الموضوع بجدية، لكن من المشكوك أن يتم الاغتيال، وهذا مسّ بقوة الردع التي تحتاج إسرائيل لترميمها، وليس فقط بالقوة العسكرية”.

ساحات ملتهبة
ويواصل رئيسُ منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة تل أبيب ميخائيل ميليشتاين تحذيره من مغبّة عدم وجود رؤية إستراتيجية لدى إسرائيل، وخلط قادتها الحسابات.

بعد إشارته لظاهرة الاستخفاف بالهجمة الإيرانية على إسرائيل في العالم العربي، يقول إنه، كما في السابع من أكتوبر، وصلت إسرائيل للمواجهة مع إيران نتيجة فشلٍ استخباراتي، وفشلٍ في قراءة منطق ونوايا طهران، نتيجة ضعف في فهم ثقافة ولغة الآخر. من هنا يشير لحيوية قراءة واقعية للواقع، ومواجهة ثلاث حقائق: مكانة إيران الإقليمية تعزّزت، وارتداعها مقابل إسرائيل محدود، مقارنة مع الماضي، العالم العربي ما زال بعيداً عن تعاون علني مع إسرائيل، وهناك عدة ساحات ما زالت ملتهبة تستدعي حلاً وحسماً، ولم تتبخّر بعد المواجهة مع إيران.

آيلاند: إنها ضربة متذاكية، متذاكية على الإسرائيليين والإيرانيين والأمريكيين، وصورة الهيبة والردع كانت أفضل لإسرائيل لو أنها لم ترد

ويمضي ميليشتاين بالتشديد على رؤية متبصّرة: “بدلاً من فتح جبهة جديدة، مفضّل أن تتركّز إسرائيل في حلّ الورطة المعقدة في الشمال، وفي زعزعة سلطة “حماس”، التي ما زالت مهيمنة في غزة الآن أيضاً، والأهم إتمام صفقة تعيد المخطوفين”.

الخط الأحمر في الذاكرة
وينبّه محلّل الشؤون العسكرية في “هآرتس”، اليوم الأحد، عاموس هارئيل إلى أن إيران، بعد الضربة في أصفهان، تلمّح لانتهاء جولة تبادل اللكمات الحالية، ولكن ليس مؤكداً أن هدف إسرائيل قد تحقق.

ويقول إن الضربة المحدودة في إيران تتيح لها التظاهر بأن شيئاً لم يحدث، وإنه بعد جولة اللكمات يبدو ميزان الرعب المتبادل ما زال مفتوحاً.

هارئيل، الذي يكشف عن تردّد مجلس الحرب، وانقسامه حول طبيعة وتوقيت الرد، يقول إنه بعد الهجمة بجوار أصفهان يبدو أن ميزان الرعب بين الدولتين بقي مفتوحاً، وحتى لو ساد هدوءٌ طويل بينهما، سيبقى في الذاكرة الخط الأحمر الذي تجاوزته إيران بضربتها الجوية على إسرائيل.

وهذا ما يؤكده، في مقال تنشره ذات الصحيفة، القنصل الأسبق في نيويورك ألون بينكاس، بقوله إن إسرائيل وإيران لن تعودا لـ “الستاتوس كفو” السابق بينهما.

ويخلص للقول إن جولة اللكمات الأخيرة تعكس فقدان الإستراتيجية العامة لدى إسرائيل، معتبراً عدم التعاون مع واشنطن، ومع نظرية بايدن لصفقة سياسية في المنطقة، تفويتاً لفرصة إستراتيجية ثمينة، وهذا ما يتبنّاه عددٌ كبير من المراقبين الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة.

الفيديو

تابعونا على الفيس