كان واضحا، بعد زيارة وزيري خارجية بريطانيا وألمانيا إلى إسرائيل، أمس، أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تهمّها «النصائح» الأوروبية بعدم الرد على العملية الإيرانية التي تقصّدت طهران أن تكون «محدودة» بل إن بعض وسائل الإعلام العبرية ذكرت أن واشنطن ولندن «لا تعارضان» ذلك الرد على طهران.
مع حسم هذا الموضوع، وجهت تل أبيب، حسب هيئة البث الإسرائيلية، رسالة «من وراء الكواليس إلى الدول العربية المجاورة» إن ردّها المزمع ضد إيران «سيتم بما لا يعرّض استقرارها وأنظمتها للخطر».
لدى الدول العربية المجاورة لإيران وفلسطين مخاوف كبيرة من أن الهجوم الإسرائيلي الجديد ضدها سيزيد الوضع الإقليمي، المتوتّر أصلا في أكثر من بلد عربي، احتدادا، مما يفتح احتمالات خطيرة، خارجية وداخلية.
يعتبر الأردن في رأس هذه الدول المتخوّفة من اتساع الصراع الإقليمي، وبعد تصدّي القوات المسلحة الأردنية لـ«الأجسام الطائرة» التي انتهكت مجال البلاد الجوي خلال الهجوم الإيراني، تحدث العاهل الأردني عبد الله الثاني مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، موضحا أن بلاده لن تكون «ساحة لحرب إقليمية» كما تحدث رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، عن أن أي تصعيد في المنطقة سيقود إلى «مسارات خطيرة» مؤكدا أن الأردن «سيواجه «أي محاولة من أي جهة تسعى إلى تعريض أمن المملكة للخطر» وكان وزير الخارجية، أيمن الصفدي، أكثر وضوحا في إعلان أن بلاده ستتصدى «لأية صواريخ إسرائيلية تعبر أجواء الأردن» وفي مواجهة التصريحات الإسرائيلية المؤكدة لقرار شن هجوم أعلنت القوات المسلحة الأردنية زيادة الطلعات الجوية «لمنع أي اختراق جوي لسماء المملكة».
حسب وسائل إعلام أمريكية، ونقلا عن مسؤولين عرب، أن السعودية والإمارات «شاركتا معلومات استخبارية ساهمت في الرد» على الهجوم الإيراني ضد إسرائيل، لكن صحيفة «وول ستريت جورنال» أكدت في المقابل، أن البلدين «لم يصلا إلى حد منح واشنطن كل ما تريده، ومنعا الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من استخدام مجالهما الجوي لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة» الإيرانية. وحسب وسائل إعلام إسرائيلية فقد ردت الكويت وقطر طلباً أمريكياً باستخدام قواعد سلاح الجو الأمريكي في أراضيها لمهاجمة إيران.
تجد الدول العربية المتخوّفة من الصراع الجاري نفسها في معادلة صعبة جدا، فقد دشن الاتفاق السعودي ـ الإيراني عام 2023 اتجاها بين دول الخليج لتحسين العلاقات مع «الجار الصعب» مع العمل على نزع فتيل صراعات مزمنة، وخصوصا في اليمن، وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة تراجعت مشاريع تطبيع الرياض، كما شهد الموقف الخليجي عموما، أشكالا تتراوح بين الغضب من عمليات الإبادة والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وأشكال الضغط والتراجع عن بعض مظاهر التطبيع.
فتح الأجواء العربية أمام إسرائيل سيكون مستبعدا فتحسّن العلاقات مع إيران جاء بعد خذلان الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الدول الخليجية، وخصوصا بعد أن تعرضت الأراضي السعودية إلى هجمات كبيرة من قبل (أنصار الله) «الحوثيين» كما تعرضت أبو ظبي لهجمات استهدفت مطارها، ناهيك عن الهجمات في الخليج العربي، ولم تتوقف هذه الهجمات إلا بعد الاتفاق مع إيران.
لا شيء يبرر الهجوم الإسرائيلي على إيران، فقد دافعت طهران عن نفسها بعد قصف القنصلية، وعدم احترام إسرائيل «قواعد الاشتباك» هذا نابع طبعا من طبيعتها العدوانية التي تريد القول إن لديها اليد العليا في المنطقة. السماح بفتح الأجواء العربية، في الوقت الذي تتابع إسرائيل عملياتها الوحشية في غزة، ويواصل المستوطنون هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية، يعني التواطؤ مع الإبادة الجماعية، والخضوع لعقيدة إسرائيل في السيطرة على المنطقة.