تراودني شكوك منذ أن أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا النوع والتاريخ التقريبي للهجوم الذي توعدت به إيران إسرائيل. وشيئا فشيئا سكنتني مخاوف كثيرة ومتباينة بعدما تم الهجوم منذ ساعات وأنا أتأمل في تداعياته ونتائجه الأولية. فتناثرتْ همومي على النحو التالي:
1. لفت الأنظار عن حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في غزة يشكل عنصرا من أبرز نتائجه الأولية. نلاحظ فعلا أن الأعلام الدولي تحول اهتمامه من غزة إلى الحرب الخاطفة التي بدأت هذا المساء بين إيران واسرائيل.
2. من الوارد أن يعطي الهجوم الإيراني دفعا جديدا للتعاون والتفاهم بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية ليتجاوزا ولو مؤقتا الخلافات التي ظهرت وتطورت مؤخرا بين أدارة جو بايدن وحكومة نتنياهو حول تسيير الحرب في غزة.
3.على نسق نفس التحسن في العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل، ظهرت اسرائيل من جديد بوصفها ضحية نالت تعاطف و دعم جميع حلفائها التقليديين دون استثناء بعدما كانت تعيش عزلة غير مسبوقة على الساحة الدولية بسبب جرائمها في غزة وفلسطين بل يقال أن دولا أخرى عبرت الأسلحة الإيرانية اجواءها، مثل الأردن وربما العراق، ساهمت في اعتراض تلك الأسلحة؛ كما أن الصراعات الداخلية في إسرائيل شهدت فتورا. لكن إلى أي حد سيطول هذا النفس الجديد في تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية وفي تراجع عزلتها الدبلوماسية؟
4. الترسانة العسكرية الإيرانية تشكل خطرا لا يستهان به على إسرائيل. لكن المسافة الكبيرة بين البلدين تعطي الوقت الكافي للتصدي لها خاصة أن الدعم العسكري السخي، الأمريكي والبريطاني والغربي عموما، يوفر لإسرائيل قدرات هائلة لاعتراض الصواريخ والمسيرات التي تطلق من إيران ومن اليمن.
5. مسار المفاوضات غير المباشرة حول "اطلاق الرهائن" مقابل هدنة بين حماس وإسرائيل قد يتأثر سلبيا خلال الأيام والأسابيع القادمة. الأمر الذي لن يبخل نتنياهو جهدا في سبيله وفي توظيفه من أجل إطالة الحرب على غزة.
6. الهجوم إن اقتصر على ما تم لحد الآن، وهذا ما يبدو، ألا يعني ذلك وجود تفاهمات ضمنية مسبقة بين أطراف الصراع تجعل سقفا للعمليات العدائية بينهم؟ وإلا فما معنى كون عبارة "عدم التصعيد" يتم تداولها كثيرا لدى جميع الأطراف، وكأنها رسالة مشفرة في هذا السياق؟
7. ما دلالة كون إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا علموا بتوقيت بداية الهجوم وسربوه إلى الصحافة؟ فربما يكون هذا هو السر في أن الأضرار البشرية تكاد تكون معدومة والأضرار المادية ضعيفة جدا. وكأن الأطراف المتنازعة قبلت بالغرض الرامي إلى أن يقتصر الهجوم على نوع من صيانة ماء الوجه لإيران كردة فعل على العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له قنصليتها في دمشق.
8. أيًا كانت التأويلات الجيوسياسية بشأن الحسابات التكتيكية الإيرانية وفوائدها ونواقصها، أو حول تطور النزاعات في الشرق الأوسط، فإن العملية الإيرانية الراهنة ضد إسرائيل تذكر بحقيقة يجب أن تبقى راسخة في عقل وضمير كل فلسطيني: لا ينبغي للفلسطينيين أن ينتظروا قدوم التحرير والخلاص من أي كان غيرهم. الشيء الذي لا يمنعهم من الاستفادة من العوامل والفاعلين الخارجيين، لكن لا يجوز التعويل عليهم كثيرا، كثيرا.
عقيد (متقاعد) البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: