لا يمكن لإنسان بكامل عقله أن يحتج على مقاومة الأعداء الذين يحتلون البلاد ويسومون العباد سوء العذاب. والمقاومة كما هو معروف للجميع حق شرعي منصوص عليه في القوانين الدولية. ولا يمكن أن تلوم أو تنتقد أي حركة تقاوم المحتلين في أي مكان من العالم. ولو سلّمنا بحق حركات المقاومة بالحصول على الدعم من أي مكان، فلا ضير إذاً في الدعم الإيراني لبعض الحركات في المنطقة واحتضانها ومدها بالسلاح والخبرات، لكن الأمور تقاس دائماً بخواتمها، أو لنقل يُحكم على مدى صدقيتها في الأوقات الحرجة والمفصلية والتاريخية، فهل يا ترى أن حركات المقاومة المدعومة إيرانياً راضية اليوم فعلاً عن موقف رعاتها وكفلائها؟ وكي لا نذهب بعيداً تعالوا أولاً نعاين الموقف الإيراني الذي يرفع شعارات المقاومة والثورة ومواجهة المستكبرين واحتضان المستضعفين.
هل يا ترى كان بمستوى الحدث الجلل الذي أصاب غزة وشعبها؟ لا أحد ينكر أن طهران دعمت الحركات بالسلاح والمشورة وتدافع عنها إعلامياً وتحتضنها منذ سنوات وسنوات، لكن ألا ينطبق عليها اليوم المثل الشعبي القائل: «وصلتينا لنص البير وقطعتي الحبل فينا»؟ ما فائدة الدعم والتشجيع، وعندما جد الجد، وأصبح الوضع على المحك، تحوّل وزير الخارجية الإيراني وغيره من المسؤولين الإيرانيين أثناء الحرب إلى أشبه بـ»شاهد عيان» أو معلق سياسي؟ لا بل إن كل شعارات المقاومة اختفت من الخطاب الإعلامي الإيراني لتحل محلها الدعوات لوقف إطلاق النار وإحلال السلام؟ سلام أيه يا جدعان؟ لماذا كنتم تشجعون الحركات على المقاومة إذا كنتم دعاة سلام؟ ألم يكن السلام موجوداً قبل الحرب الأخيرة التي أتت على الأخضر واليابس وأحرقت البشر والحجر؟ ماذا استفاد أهل غزة من الدعم الإيراني خلال الستة أشهر الحاسمة في تاريخ القطاع؟ لقد أحرق العدوان الإسرائيلي المدينة عن بكرة أبيها ولم تعد صالحة للعيش، بينما أصبحت الغالبية العظمى من سكانها وهم حوالي مليوني نسمة، لاجئين، ليبدأوا تغريبة فلسطينية جديدة أشد وأعتى. وحدث ولا حرج عن عدد الشهداء المهول من الشباب والأطفال والنساء والعجزة من كلا الجنسين؟ زد على ذلك طبعاً الأسرى والمفقودين والمصابين والذين لم تزل جثثهم تحت الأنقاض.
ألا يجري تدمير غزة وسوريا ولبنان والعراق واليمن بحجة الوجود الإيراني
لا شك أن البعض سيقول لك إن هناك ثمناً باهظاً للحروب من أجل القضية، وهذا صحيح، لكن ما يهمنا الآن هو الموقف الإيراني الذي يضع حوله نحو ملياري مسلم في العالم الآن إشارات استفهام كثيرة، بحيث أصبحت إيران في مواقع التواصل مثاراً للسخرية والتهكم، ليس لأنها فقط تركت حلفاءها يواجهون النار لوحدهم، بل لأنها فشلت حتى في الرد على الهجوم الذي طالها في قنصليتها بسوريا، ناهيك عن أن الإسرائيلي لم يترك على مدى أشهر وأشهر موقعاً إيرانياً في سوريا إلا واستهدفه وقتل كبار الضباط الإيرانيين وأعوانهم. أين فيلق القدس الذي كانت تتباهى به إيران على مدى سنوات؟ لماذا يمر طريق هذا الفيلق في دير الزور والبوكمال وحمص والقصير وحلب ودرعا والسويداء والزبداني السورية، ولا يمر عبر غزة التي هي أقرب إلى القدس بكثير من حلب ودير الزور؟ لماذا لم يعد أحد يسمع صوتاً للفيلق الشهير منذ عملية طوفان الأقصى؟
ولو ذهبنا إلى جنوب لبنان اليوم سنجد أن الدمار الذي ألحقته إسرائيل بقطاع غزة فعلت مثله في الجنوب اللبناني وبأهله، فقد فر عشرات الألوف من سكان المنطقة ولم يبق فيها سوى كبار السن غير القادرين على اللجوء إلى مناطق بعيدة، بينما تبدو القرى اللبنانية المحاذية لحدود فلسطين في وضع مأساوي نتيجة الدمار الذي لحق بها بعيداً عن أعين الإعلام؟ ماذا فعلت إيران لحلفائها في لبنان؟ وماذا يمكن أن تفعل فيما لو، لا سمح الله، وسّعت إسرائيل هجومها على لبنان وحولته إلى أكياس من الرمل كما يتوعد القادة الإسرائيليون؟ لن يكون حظ اللبنانيين أفضل من حظ الغزاويين بالتأكيد.
وفي اليمن يرفع حلفاء إيران شعار التصدي لداعمي إسرائيل، وذلك باستهداف البواخر والسفن التي تمر عبر البحر الأحمر، مما حدا بأمريكا وشركائها الأوروبيين إلى تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية، وهو اليوم يدمر ما تبقى من اليمن التعيس بأعتى أنواع الأسلحة، ويكون بذلك الحريق الذي انطلق من غزة قد امتد إلى لبنان ومن ثم سوريا والعراق واليمن بأشكال مختلفة. ماذا يمكن أن تفعل إيران لليمنيين الذين تحرضهم على خصومها في المنطقة عندما يضيق الخناق الأمريكي والأوروبي حول أعناقهم؟ لا شيء طبعاً؟
ماذا فعلت إيران لسوريا المستباحة من الطيران الإسرائيلي الذي يقصفها خمس مرات في الأسبوع وربما أكثر أحياناً قبل الأكل وبعد الأكل؟ هل بقيت قاعدة أو موقع سوري تتمركز فيه ميليشيات إيران إلا واستهدفته إسرائيل وأحرقته بمن فيه؟ ألم تصبح سوريا رمزاً للهوان والذل لأنها تحولت إلى «ملطشة» بسبب الوجود الإيراني فيها؟ ألم يتحول نبأ العدوان الإسرائيلي على سوريا ومطاراتها إلى خبر معتاد ومألوف في الإعلام لكثرة تكراره، بينما تكتفي إيران وجماعاتها بالاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين؟
وحتى في العراق، ألا تصطاد الطائرات الأمريكية والإسرائيلية قادة الميليشيات العراقية التابعة لإيران بين الحين والآخر، بينما لا تفعل إيران أي شيء سوى تحريض جماعاتها على إطلاق بعض الصواريخ على مواقع أمريكية بالاتفاق مع الأمريكيين أنفسهم؟ ماذا استفاد العراق من الدعم الإيراني سوى تعريض البلاد والعباد للضربات الأمريكية والإسرائيلية المتواصلة وتحويله إلى ساحات وغى؟
أليس من حق الشعوب أن تسأل اليوم، على ضوء التخاذل الإيراني في حماية حلفائها في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان واليمن: أين أنتم قاعدون؟ لماذا تخليتم عنا في اللحظات الحرجة وتركتمونا فريسة للوحشين الإسرائيلي والأمريكي؟ وإذا ظل الوضع على حاله، فلا شك سيكون من حق الناس أن تسأل أيضاً: هل تحولت بلادنا إلى ملعب كرة قدم، ونحن بمثابة الكرة التي تمرّرها إيران للإسرائيليين كي يسجلوا بها الأهداف المطلوبة؟ ألا يجري تدمير غزة وسوريا ولبنان والعراق واليمن بحجة الوجود الإيراني الذي يملأ الدنيا شعارات مقاومة، بينما لا تستفيد منه الشعوب سوى الخراب والدمار؟