لا أعتقد أن ثمة سذاجة أكثر سذاجة ممن يثق بالدب الروسي والأفعى الإيرانية، فقد ظن البعض أن الغزو الروسي للشام وإقامة القواعد العسكرية الضخمة فيها، ونشر الأسلحة المتطورة، بالإضافة إلى نصب البيوت الجاهزة للقوات الروسية القادمة إلى الساحل السوري إنما هدفه تحجيم النفوذ الإيراني في الشام، فهذا من فرْط الثقة بدب روسي وأفعى إيرانية صامتة على هذه التحليلات، وربما ترقص طرباً لمثلها، فلا أَصْدَق من تعبير يُطلَق على هذه من تعبير أضغاث أحلام، وتفكير رغائبي.
فبينما كانت القوات الروسية تعزز وجودها في قاعدة (حميميم) باللاذقية وتقيم قواعد عسكرية جديدة، كان الثنائي نتنياهو من موسكو وحسن زميره من الضاحية الجنوبية بلبنان يرحبان بالغزو الجديد، بالإضافة إلى العصابة البرميلية التي رأت فيها قلباً للطاولة في الشام. لكن بالتأكيد قلْب على الشعب أو ما تبقى منه، ليكتمل مثلث المقاومة والممانعة المزعوم من حسن زميرة وأسياده بطهران وعملائه بالقرداحة، إلى نتنياهو وروسيا؟!
وفي الوقت نفسه كان المفاوض الإيراني يجهد من أجل فرض واقع تقسيمي على الأرض الشامية من خلال تبادل الفوعة وكَفْرِيا مقابل الزبداني، بعد أن عجزت عصابة حسن زميرة عن اقتحامها لأكثر من شهرين، في محاولة لوصْل الريف الدمشقي مع لبنان وتعزيز دويلة الضاحية، بعد ما حصل قبل عامين تقريباً من تفريغ حمص واجتياح القصير، يحصل هذا مع مساع إيرانية محمومة ورهيبة من أجل تغيير ديمغرافية دمشق، وجعْل منطقة (الست زينب) وما حولها كالضاحية الجنوبية، ومعه بالتأكيد العبث بممتلكات الأراضي والبيوت، وتدمير ما تبقى من مناطق في درايَّا والريف الدمشقي، فدمشق كما وصفتها آياتهم غير مرة بوابة التَّشَيُّع للعالم العربي، ودمشق عاصمة بني أمية التي يرى الصفويون أنها تستحق دفع الكثير مما يملكونه للسيطرة عليها انتقاماً من عدوهم الأول والأخير.. بني أمية أو أهل السنة بشكل عام؟!
الدب الروسي متحالف استراتيجياً وتاريخياً مع الصفويين، ولايمكن للشام وللأسد أن يفك هذا التحالف، والدب الروسي كما نُقل عن أربابه أنه مرتاح ومسرور وراض بكل أصدقائه وحلفائه من إيرانيين وأسديين، وليس في وارد اختبار حلفاء وأصدقاء جدد، يُضاف إليه أن التنسيق والتحالف الإيراني الروسي أبعد من الشام، فهو يصل إلى العراق وأفغانستان واليمن، وربما غيرها، بالإضافة إلى العدو الأساسي والمشترك لهما وهو الخوف من عودة أهل السنة لحكم العراق والشام، وهو ما لايخفيه الروس، وكان أبلغ تصريح ما صرح به وزير الخارجية الروسي المنفرز والمتوتر دائماً سيرغي لافروف.
على هذه الخلفية فإن على كل من يثق بأن الوجود الروسي سيخلق فرقاً على الأرض بإرغام طاغية الشام على الحوار أو على الاستقالة فهذا مجرد أحلام، وقد حسم (بوتين) ذلك أخيراً في مقابلته مع شبكة (إي بي سي) الأميركية حين أصر على دعم العصابة في مواجهة – بزعمه – التطرف والإرهاب، متناغماً مع التصريحات الإيرانية والتي أتت على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، من أن الحل السياسي في سورية ينبغي أن يأتي بعد القضاء على (داعش)، وهي مهمة شبيهة بمهمة العصابة في الشام التي ضحكت فيها على الكثير من الشعوب، من أن مهمتها ووجودها مرتبط بتحرير فلسطين! والشعارات العنقاء المرفوعة من الوحدة والحرية والاشتراكية، والتي كلفت الأمة عشرات السنين لتكتشف أن نتنياهو في صف واحد لإبقاء الطاغية بشار مع بوتين.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه ما الذي سيضغط على بوتين من أجل تغيير ورقته السياسية العالمية القوية بيديه ممثَّلة بطاغية الشام، وهو يرى تهافت الغرب الأخلاقي وتغيير مواقفه بسرعة البرق من القبول بأسد بالمرحلة الانتقالية بعد أن كانوا يصفونه بالطاغية والمستحِق للمحاكمة الدولية، وبعد أن خدعوا الشعب السوري بأنهم أصدقاؤه، وهم الذين رأوا كل جرائمه من استخدام كيماوي وكلور إلى صواريخ بالستية وطيران وبراميل ومتفجرة، فإنْ كانوا قد استعدوا للقبول به الآن بعد الغزو الروسي للشام في مرحلة انتقالية الآن فهذا سيُغري بوتين بالتأكيد لانتزاع المزيد في قابل الأيام منهم للقبول به ربما لفترة طويلة الأمد.
وحين يتحدث بوتين عن التطرف والإرهاب لايقصد به (داعش)، فإن عميله في دمشق وحلفاءه في إيران فشلا فشلاً ذريعاً في صدها خلال الفترة الماضية، ولكن ما يُزعج بوتين هو الفصائل الجهادية الأخرى التي يراها تحمل مشروعاً منسجماً شعبياً واقليمياً، وعلى رأسها جيش الفتح وجيش الإسلام وجبهة النصرة التي تضم في صفوفها مقاتلين روساً وصينيين أكثر مما تضم (داعش) نفسها، ولذا فإن هؤلاء هم الهدف الروسي والصيني لاحقاً.
المؤامرة كبيرة، ولكن ما نحتاجه هو فهمها إنْ كان على صعيد الدول أو على صعيد الأحزاب والجماعات الجهادية، والظاهر أنه لايزال ثمة وقود كثير للمعركة العالمية المشَنَّة على الشام وأهلها، والعزاء هو قول نبينا عليه الصلاة والسلام: "إن الله قد تكفَّل ليَ بالشام.