شكلت فكرة التجديد في الفقه الإسلامي واحدة من أهم القضايا التي شغلت أذهان العلماء في منطقة الغرب الإفريقي خلال القرنين الثاني و الثالث عشر الهجري، فانصبت جهود العلماء المصلحين على تقديم تصور جديد للفقه أكثر ارتباطا بحياة الناس الدينية والدنيوية، وهذا هو الأنسب بالفقه فهو عند أهل الفن، فالفقه في الاصطلاح هو: "العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية"، وكما يتضح من هذا التعريف، فلا يمكن أن يوصف بالفقه من لم يحصل العلم بالأحكام الشرعية ويتقن أدوات الاستنباط ويعرف الأدلة التفصيلية، والتجديد المراد هو إحياء العمل بالكتاب والسنة و العمل بمقتضاهما؛ وهو لا يقتصر على فن واحد من العلوم بل قد يشمل فنونا شتي مثل علوم القرآن والحديث و الفقه و الأصول و التصوف.
ولا يخفى على المتتبع للتاريخ الثقافي والديني في بلاد شنقيط أن مجمع القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، عرف بداية لمسة تجديدية كان للعلماء الشناقطة فيها حضور بارز في المنظومة الفكرية و الثقافية الإسلامية من خلال ما قدموه من إسهام علمي وأدبي أثرى الإنتاج المعرفي الإسلامي عموما والإنتاج المحلي خصوصا بفنون جديدة لم تكن معروفة عند أهل هذه البلاد، كعلم أصول الفقه، ومصطلح الحديث اللذين كان العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم رائد نهضتهما من خلال نظمي مراقي السعود وطلعة الأنوار.
وعلى العموم فقد أشفع سيدي عبد الله رحمه الله هذه اللمسة التجديدية بمجهود دعوي كبير محركه الأساسي توجيه المشغل الفقهي لتصحيح عقائد الناس و تطهير عاداتهم الاجتماعية من كل أشكال البدع والخرافات الموروثة عن ثأثير ثقافات الشعوب الماضية و شيوعها لدى العامة، وما نجم عنها من انتشار واسع لأنمط متعددة من علوم الشر.
وقد ذكر في كتابه" رشد الغافل ونصيحة الجاهل " المتعلق بموضوع التصوف مواضيع شاملة رد فيها على أهل الباطل ووقف بحزم ضد ظاهرة " البدع" من خلال توجيه و إرشاد الأمة لما فيه خيرها وصلاحها.
وتعرض المؤلف ضمن هذا التأليف لأنواع من علوم الشر تداولها الناس في عصره وحذر من انعكاساتها الهدامة وذكر من بين هذه العلوم:
علوم التطلع إلى الغيب و تشمل:
- التنجيم : و هو دلالات النجوم ومواقعها في الفلك
- العرافة و الكهانة: أي المعرفة بالأحداث الماضية و التكهن بالأحداث التالية
- الخط أو ضرب الرمل:أي التكهن بواسطة الخط الرملي
- القرعة و الفأل و الكسب :أي معرفة أقدار الناس بالحظ
- الرعديات : الاعتقاد بالتعرف عل الأحداث المقبلة بحدوث الرعد في أوقات معينة
كما ذكر علوم السحر و بسط الحديث حول الانواع المتدوالة منها وبالغ في التحذير من خطورتها.
والحقيقة أن سيدي عبدالله وضع من خلال رؤيته في هذا الكتاب أسس منظومة إصلاح تربوي شاملة تستهدف تدريب العقل و النفس و إرشاد المجتمع وتوجيهه نحو حياة قويمة تبعده
عن الرذائل و تحقق المصلحة، و تدرأ كل مفسدة، وهو ما يتماشى مع جوهر وروح الشرع الذي هو صمام آمان الأمم من كل الانحرافات .
واليوم ، بعد مرور أكثر من قرنين من الزمن على رحيل هذا العلامة المجاهد ما زالت أنماط من علوم الشر -وللاسف الشديد- تلقى بعض الاهتمام في مجتمعاتنا بل إنها شهدت خلال العقود الأخيرة رواجًا منقطع النظير في أوساط العامة، وخاصة السحر و الشعوذة الضارة و الكهانة، وذلك في ظل استقطابات اجتماعية حادة، وتنامي خطابات الكراهية واستفحال ظواهر الغل و الحسد وما نجم عن ذلك من غياب لقيم التسامح والتعاضد و قبول الأخر، و هو ما يؤكد وجود اختلالات بنيوية عميقة تتطلب معالجة و إصلاحا جذريين لمنظومة القيم والأخلاق قبل فوات الأوان لأن الأمة تنتهي بموت قيمها .
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا