تحتل قضايا السيادة الوطنية و الأمن القومي و الدفاع عن الحوزة الترابية والمحافظة على الثروات الوطنية أهمية كبيرة في القانون الإنساني الدولي وفي العلاقات الدولية بشكل عام. وهي علاوة على ذلك تشكل أركانا رئيسية لا يمكن أن تقوم أي دولة أو تستمر في الوجود من دونها. و لسنا في هذه العجالة بصدد الخوض في الإشكالات التي تطرحها هذه القضايا على صعيد المفاهيم و القيم ، لأنها من وجهة نظرنا تحيل إلى معنى جوهري لا يختلف عليه إثنان و هو ضرورة استقلال الدولة استقلالا تامًا داخليًا وخارجيًا.
ولا يمكن وصف أية دولة بالاستقلال ما لم تحافظ على مصالح شعبها وتحمي حوزتها الترابية، وتحافظ على التزاماتها الوطنية وتعهداتها الإقليمية والدولية.
وقد تبنت الدولة الموريتانية منذ تولي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد السلطة في البلاد ، استيراتيجية جديدة في المجال الديبلوماسي قائمة على حسن الجوار وتفعيل علاقات الصداقة والتعاون مع محيطها العربي و الإفريقي ومع كافة دول العالم الأخرى .
و قد جاء هذا التوجه تتويجًا لنجاح مقاربتها الأمنية التي أدت إلى استقرار وضعها الاقتصادي و الاجتماعي في وقت عرفت فيه معظم دول الساحل تدهورًا غير مسبوق في منظومتها الأمنية.
و يُرجع معظم المراقبين الدوليين هذا النجاح الذي حققته موريتانيا، إلى النظرة المتبصرة لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وحنكته السياسية وتجربته و خبرته في معالجة العديد من الملفات ذات البعد الأمني و السياسي في القارة الإفريقية.
وكان الموقف المشرف الذي تلقت به موريتانيا اللاجئين الماليين بعد الأزمة الكبيرة التي عصفت بدولة مالي الشقيقة من أهم الأسباب التي أعطت مصداقية جديدة لبلادنا و مكنتها من لعب أدوار استيراتيجية في استقرار المنطقة و الحد من الآثار السلبية لتدفق المهاجرين واللاجئين، كما كان محل إشادة إقليمية ودولية.
ونتيجة لهذا الدور الحيوي الذي اضطلعت به البلاد ، فقد عبر الاتحاد الأوروبي عن رغبته في ربط شراكة استيراتيجية مع الحكومة الموريتانية وعيا منه بمستوى الارتباط الكبير بين إفريقيا وأوروبا وخصوصًا فيما يتعلق بمواجهة التحديات المشتركة ذات الصلة بالهجرة التي أصبحت تشكل عبْءً ثقيلًا بالنسبة للطرفين.
فموريتانيا لم تعد منطقة عبور فحسب بل أصبحت وجهة مفضلة بالنسبة للعديد من دول القارة السمراء كما أن دول الاتحاد الأوربي تعاني من تنامي شبكات مهربي المهاجرين غير الشرعيين عبر البحار.
و مهما يكن من أهداف و مرامي لممتهني اللغط السياسي وعشاق الزوابع وركاب الأمواج الذين شنعوا على حكومتنا الموقرة سعيها لتوقيع هذه الشراكة الاستراتيجية، ووزعوا التهم قبل التحقق وقذفوا دون دليل أو برهان؛ فإن توقيعها اليوم الخميس الموافق 2024م في نواكشوط و الاطلاع على بنودها قد كشف بما لا يدع مجالًا للشك مزاياها الكبيرة بالنسبة لشعبنا، من خلال تركيزها على مكافحة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية بما في ذلك ترقية الديمقراطية و حقوق الإنسان و القضاء على الفقر و دعم التنمية الاقتصادية و الاجتماعية في الأرياف، وتخفيف تأثيرات التغير المناخي و التكيف معها . وهي محددات أساسية للحكامة الجيدة التي تتنافي مع سياسة التخوين و خلط الأوراق و المساس بثوابت الأمة التي تلقي بظلالها هذه الأيام على المشهد السياسي بشكل لم يعد يمكن معه التمييز بين الصالح و الطالح
والوطني و الخائن و لا سبيل معه لمعرفة من يزايد على من ؟