في البداية لا بدّ أن نعيد التأكيد بوضوح أن إسرائيل كانت الطرف الخاسر تمامًا يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكل ما فعلتْه لمحاولة إعادة الهيبة لجيشها باء بالفشل، ولكن يُحسَبُ لإسرائيل أن لديها قدرةً عاليةً على استعادة التوازن مع الوقت والتركيز على الأهداف الإستراتيجية الموضوعة مسبقًا ومحاولة تجيير كل حدثٍ لتتمكن من الاقتراب أكثر نحو تحقيق أهدافها الإستراتيجية، بمجرد أن تحصل على الدعم الدولي العسكري والسياسي الذي تعوّل عليه، والذي لا يمكنها أن تفعل شيئًا دونه.
علمًا بأن حديثنا في هذا المقال يركّز على الجانب السياسي، إذ إن إسرائيل ما زالت تعتبر الطرف الخاسر على المستوى العسكري.
قرن من الدعاية المتضاربة
إن كان هناك فترة تاريخية يمكن من خلالها فهم ما يجري في الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، فإننا لن نجد أفضل من أن نرجع قرنًا من الزمن إلى أحداث الفترة من 1915 حتى 1948. وجه الشبه الذي أتحدث عنه هنا هو كثرة الدعايات المضادة والمتضاربة التي كانت تهدف للتغطية على المشروع الحقيقي الذي كان يدور في مطابخ السياسة الغربية، ولم يظهر بوضوح حتى أصبح حقيقةً بعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ليتحول إلى واقعٍ إبان النكبة الفلسطينية عام 1948.
منذ مراسلات الحسين- مكماهون الشهيرة التي كانت بريطانيا فيها تعِد العرب "بالاستقلال" تحت رايةٍ واحدة، في نفس الوقت الذي كانت تتفق فيه مع فرنسا سرًا على تقسيم المناطق العربية بينهما وترتِّب لإصدار وعد بلفور، إلى الدعاية البريطانية التي أصرت على نفي وعد بلفور حتى صدور صك الانتداب وظهور كذبها، حتى الكتاب الأبيض الأول والثاني وغيره من الكتب التي أصدرتها بريطانيا أثناء الثورات الفلسطينية المختلفة لتهدئة الفلسطينيين الذين كانوا يرون أراضي بلادهم تُسرَّب شيئًا فشيئًا من قبل البريطانيين إلى أبناء المشروع الصهيوني من المهاجرين الأوروبيين، إلى انتظار الفلسطينيين دخول الجيوش العربية المكبلة بجنرالات بريطانيين واتفاقياتٍ واحتلال بريطاني وفرنسي فعلي في بعض الحالات، والذين أصروا على عدم الدخول في حرب النكبة حتى انتهاء الانتداب البريطاني رسميًا.. حتى أصبحت إسرائيل أمرًا واقعًا تتعامل معه الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية على هذا الأساس.