إعادة إدراك الاستعمار

خميس, 02/15/2024 - 07:49

نحن في مواجهة مباشرة مع الاستعمار بكل صوره القديمة منها والجديدة، أدرك بعضنا ذلك، ولم يدركه البعض، إما عن قصد وغرض أو عن سهو وغفلة، استعمار لا يكتفي بالأرض، ولا بالموارد، ولا بالأسواق، لا يكتفي بتجريدنا من كل ذلك، لكن يجردنا مما بقي من أطلال أخوتنا وعروبتنا وإنسانيتنا.

يجردنا من هُويتنا، من وعينا، من عقولنا، من ضمائرنا، من تاريخنا، من حاضرنا، من كافة مقومات وجودنا التي تحفظ علينا بقاءنا فوق أرضنا، كما تحفظ علينا ملامحنا وقسمات وجوهنا وكل ما به نعرف أنفسنا ويعرفنا من سوانا من شركاء الكوكب الأرضي.

تصفية القضية
إبادة المقاومة الفلسطينية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023م حتى كتابة هذه السطور في فبراير/شباط 2024م ليست مجرد حلقة – مثل حلقات سابقة – في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، لكنها تصفية للقضية الفلسطينية بما هي صراع مزمن بين طرفين، بين غزاة معتدين، وأصحاب أرض يدافعون عن حقهم ويقاومون عدوهم، تصفية تعتمد على منطق من ثلاث زوايا:

1 – أن الجزء الأكبر من الصراع قد تمت تصفيته، وذلك بخروج العالمين العربي والإسلامي – أي الحكومات العربية والإسلامية- من الصراع، خروجًا طويلًا، بدأ باعتراف تركيا بدولة إسرائيل 1950م، ثم اعتراف مصر 1979م، ثم انفتحت أبواب الاعتراف بالتدريج، حتى لم يعد بين العرب والمسلمين من يقاوم أو يمانع، فمن يعترف يخرج من الصراع، ومن لم يعترف ينتظر التوقيت المناسب.
1 – أن الجزء الأكبر من الصراع قد تمت تصفيته، وذلك بخروج العالمين العربي والإسلامي – أي الحكومات العربية والإسلامية- من الصراع، خروجًا طويلًا، بدأ باعتراف تركيا بدولة إسرائيل 1950م، ثم اعتراف مصر 1979م، ثم انفتحت أبواب الاعتراف بالتدريج، حتى لم يعد بين العرب والمسلمين من يقاوم أو يمانع، فمن يعترف يخرج من الصراع، ومن لم يعترف ينتظر التوقيت المناسب.

وقد اطمأنت إسرائيل لهذا الخروج الجماعي العربي والإسلامي من الصراع، اطمأنت بصورة عملية تجريبية، وهي ترتكب أفظع الجرائم ضد شعب عربي مسلم، دون كثير غضب من عموم العرب والمسلمين، فأخذت راحتها في الإبادة بقصد التصفية.

2 – ثم اتفاقات أوسلو 1993م منحت إسرائيل اعترافًا رسميًا فلسطينيًا، وعلى أساس من هذا الاعتراف تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن ذاك التاريخ أصبح الاعتراف- وليس المقاومة- هو مصدر شرعية قطاع كبير من النضال الفلسطيني، نضال الواقعية الذي يكتفي من التحرر الوطني بما تسمح به معادلات القوة القائمة دون اصطدام جذري معها.

3 – العالم العربي – الإسلامي لم يخرج فقط من الصراع باعتبار المشروع الصهيوني عدوانًا مباشرًا على العروبة والإسلام، لكن خرج مما لا يقل أهمية، خرج من استقلاله ذاته، لم يصبر على تبعات الاستقلال الوطني – الذي ناضلت لأجله أجيال سابقة وقفت في وجه الاستعمار الغربي بكل صنوفه وأشكاله – ثم استراحَ للانضواء تحت الاستعمار الجديد.

القديم منه والجديد، اجتمعت فيه كل خصائص الاستعمار بكل مراحله، وآية ذلك، أن من وقف في وجهه، بعد المقاومة الفلسطينية، هي دول أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا، أوائل الشعوب التي ذاقت المرار من عسف وخسف كافة أشكال الاستعمار من اللحظات الأولى التي بدأت فيها أوروبا تخرج من قمقمها وتضع أقدامها خارج ترابها.

الفيديو

تابعونا على الفيس