فلسطين بشكل عام، وفي قطاع غزة بشكل خاص.
فرغم أنّ المعركة بدأت بهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول التاريخي والاستثنائي في سياق المقاومة الفلسطينية- والذي تعرّضت له في مقال نُشر على الجزيرة بتاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول، بعنوان: "معركة طوفان الأقصى.. المقاومة الفلسطينية تضع الأمور في نصابها"- فإنَّ المشهد – وبعد إعلان الكيان حربه الاستئصالية على الشعب الفلسطيني، وإعلانه عن أهدافه الثلاثة المعروفة: "القضاء على المقاومة واستئصالها، وضمان عدم تكرار هذا الهجوم مرة أخرى، واستعادة الأسرى لدى المقاومة"، بل وتجاوزها إلى حد العمل على تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة – تحوّل إلى حالة واضحة من حرب الإبادة، التي يواجهها شعبنا ومقاومته بصمود استثنائي.
وإنّ معيار الانتصار فيها هو الصمود وإحباط أهداف العدو، والحيلولة بينه وبين تحقيقها. بل إن وصف الأستاذ منير للمعركة "هجومًا إستراتيجيًا" يضع المقاومة ومعها الشعب الفلسطيني أمام تحديات كبيرة، واستحقاقات لا قِبَل للشعب الفلسطيني بها في ظل الظروف الإقليمية والدولية.
ثم إن المقاومة وقيادتها أعلنت في أكثر من مرة أن هدفها هو وقف العدوان، وأن المعركة، وهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، جاءا لمواجهة السياسات الفاشية للحكومة الصهيونية الحالية، ولجم مشاريعها تجاه الأقصى والفلسطينيين في الضفة، وقطع الطريق أمام مشاريع التهجير.
وهو ما يعني دعم صمود الشعب الفلسطيني، والحيلولة دون الانقضاض عليه وعلى حقوقه، وصولًا لتهجيره كما في خُطة حسم الصراع التي نشرها الوزير المتطرف سموتريتش.
هدفُ المقالة المقصودة بالنقاش- والتي يؤمن كاتبها بأنه واجب اللحظة- وضعُ الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، وعدم البحث عن تبرير لضعف موقف أي طرف كان، لأن حجم المعركة وطبيعة أهدافها التي وضعها الاحتلال تاريخية ومفصلية، وتشكّل تهديدًا ليس فقط للمقاومة والشعب الفلسطيني في غزة، بل لمجمل القضية الفلسطينية.
وإنّ البحث في الثغرات في جدار الصمود الفلسطيني سعيًا لسدها كما في عنوان المقالة، وبعد مرور كل هذا الوقت على المعركة، وبعد ما يزيد عن (32,000) شهيد، و(65,000) جريح، وتدمير غالبية منازل القطاع وكل بنيته التحتية والمدنية، هو واجب كل حريص على القضية والمقاومة ومشروعها. ولا يتعارض هذا مطلقًا مع الإشادة بصمود شعبنا ومقاومته واستبسالهما.
أمّا عن سلبيات جبهة العدو، ونقاط ضعفه وحجم الضربة الإستراتيجية التي تلقاها، فقد عالجها الكاتب في مقالات سابقة يمكن الرجوع إليها على موقع الجزيرة، وهي ليست مناط بحث المقالة ولا موضوعها، وليس مطلوبًا من أي كاتب متابع بشكل يومي لأحداث الحرب أن يتعرض لكل جوانبها في كل مقالة يكتبها.
يظن الأستاذ منير في مقالته أن الحديث عن القدرة والإرادة للاستثمار في المعركة، بما يخدم المنطقة ويحول بينها وبين حقبة جديدة من الهيمنة الأميركية، قد يكون موجهًا لقيادة المقاومة، وليس للحكّام والقيادات العربية والإسلامية.
وهنا يبرز سؤال: كيف يمكن قراءة هذه الإشارة بأنها موجهة لقيادة المقاومة؟! وهي تتحدث عن استثمار اللحظة لتغيير الواقع العربي والإسلامي والتخلص من الهيمنة. كيف يمكن أن تكون قيادة المقاومة معنية بالحديث عن الهيمنة وتغيير الواقع العربي والإسلامي؟!
ثم يضيف الأستاذ منير: "ثم لاحِظوا المطلوب من هذه "الإرادة الكافية" بأن تغيّر "الواقع السياسي للعديد من الدول العربية والإسلامية…" ولإطلاق "بداية النهاية لحقبة من الهيمنة والاستعمار والعربدة في المنطقة كلها". مما يعني أن توفير هذه "الإرادة" تعجيز وأيّ تعجيز؟".
وهنا أتساءل أيضًا، ما وجه التعجيز في الطلب من الدول والشعوب في المنطقة أن تستثمر في المعركة للتخلص من الهيمنة؟! ثم إذا كان هذا غير ممكن من وجهة نظره على مستوى الأمة بكل مكوناتها، فكيف يمكن لهذه المعركة في ظل هذا العجز العربي والإسلامي أن تكون هجومًا إستراتيجيًا؟!
في نقاشه عن "عدم انخراط المكوّنات الفلسطينية كافة في المعركة: الضفة الغربية، وأراضي الـ48 والشتات الفلسطيني" بالمستوى الذي يمكن أن يحدِث تغيرًا جوهريًا في مسار المعركة، يعتبر ذلك حكمًا يحمل ظلمًا للضفة الغربية ولفلسطينيي الـ 48.
ولكن لماذا تم إسقاط أو تجاوز هذا النص من المقالة، والذي يحث على تطوير الموقف ولا يغفل عنه، فتقول: "حيث ما زالت مساهمة هذه المكونات في المعركة محدودة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي يجعلها تساهم مساهمة مباشرة وفاعلة في تحقيق إنجاز وطني فلسطيني نوعي، مع أن طول أمد المعركة ينبغي أن يشكل حافزًا ومبررًا موضوعيًا لهذه المكونات للانخراط في المعركة، بغضّ النظر عن الآليات والوسائل والأدوات، بما يراعي ويتلاءم مع طبيعة كل منطقة جغرافية وكل مكوّن فلسطيني".
وهو ما يعني حث الفلسطينيين لعدم الركون للواقع القائم، وأن الفرصة ما زالت سانحة لتطوير أدائهم، والمساهمة بشكل أكثر فاعليّة في هذه المعركة، وهو ما دعت له المقاومة وقيادتها العسكرية والسياسية مرات كثيرة خلال هذه الحرب.