لديك «واتس أب» أو «تويتر» أو «انستغرام» أو «فيسبوك»، إذاً فأنت موجود على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك الوسائل التي خلقت عزلة بين الأهل والأقارب، والأصدقاء اجتماعياً وصلت لحد حضور الجسد وغياب الروح. واليوم مفهوم الأسرة التي يجمعها البيت الواحد لم يتغير مع تطور التقنيات الحديثة، لأنه موروث قائم وثابت، ولكن «السويشل ميديا» فرضت على كل فرد أن يعيش في عالمه الخاص عبر هاتفه المحمول يتكلم ويعمل ويأكل في اللحظة ذاتها، فلا يشعر أو يهتم بمن حوله بسبب انشغاله بعالمه الفضائي، فالناس يجتمعون بالجسد لكن القلوب مشتتة ومتباعدة، وابتسامتهم لا لذكريات الأجداد ومغامراتهم، بل لفكاهة أو مقطع «فيديو» في «سناب شات»، وإعجاب لا بإنجاز جديد في اجتماع العائلة، بل للفتى صاحب السروال الزاحط، وهنا بالتأكيد التعليقات ليس لطرح فكرة أو لجلسة عصف ذهني في زيارة الأقارب بل «صبحية الجارتين» واختلافهما على جودة القهوة ونوع مسحوق الغسيل، هذا إن كان لديهما متسع.
اليوم أصبحت هذه الوسائل من ضروريات الحياة العصرية، سواء في الأسرة أو بيئة العمل، وأصبحت جزءاً من حياة أفراد المجتمع، فهي من جانب زادت من الترابط الاجتماعي الإلكتروني عبر رسائل التهنئة والتعزية، ومن جانب آخر قلّصت حجم التواصل الطبيعي والزيارات الحقيقية فيما بينهم، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر فيما يتعلق باستخدامها وتوظيفها التوظيف الأمثل ودراسة تأثيرها على حياة الأسرة، وأبرز المشاكل التي قد تترتب عليها مستقبلاً.
الاعتدال ضروري
الدكتور فيصل النويس الطبيب النفسي المسؤول عن العلاج النهاري في مركز التأهيل النفسي بجناح العلوم السلوكية في مدينة الشيخ خليفة الطبية، يؤكد أنه لابد من الاعتدال في كل شيء فبرامج التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر والواتس آب والانستغرام وغيرها تؤثر بشكل كبير على الشباب والأطفال، وقال: «لابد أن نشعر الأطفال بأنهم جزء من المجتمع والعالم الذي يعيشون فيه، وهذا الأمر واقع ملموس نعيشه كل يوم، ولكن ما يخيف في الأمر أن يدمن الطفل هذه البرامج، ويصبح هناك نوع من الإدمان على الإنترنت ووسائل التواصل، خصوصاً أن معظم البحوث والدراسات والإحصاءات، تؤكد أن التواصل الاجتماعي الكثير يسهم في زيادة القلق والخوف الاجتماعي، إذ يساعد ذلك في تواصل الأشخاص مع أصدقائهم وذويهم عبر الإنترنت، وليس عن طريق التواصل الشخصي، لأنهم تعودوا على ذلك منذ بداية الأمر، كما أن مستخدمي هذه البرامج يريدون أن يكونوا كغيرهم من الناس، ما يولد إحساساً أن الشاب يشبه غيره من الناس في أكلهم وتعاملهم وتصرفاتهم».
وأضاف أن برامج التواصل الاجتماعي ليست ذات طابع سلبي فقط، بل لها مزايا وإيجابيات أيضاً، إذ أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لمواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، فعدد المشتركين يتزايد بشكل لحظي، ويوجد نوعان من الناس: جيل ليس لديه مشكلة في التواصل مع الناس، وجيل آخر يرى ضرورة التواصل في الحال واللحظة.
دراسة حديثة
دراسة حديثة من مركز بيو للأبحاث في واشنطن، تنبه إلى أن أضرار موقع الفيسبوك الصحية والنفسية أكثر من فوائده، وتدلل على أن 73% من البالغين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي ويستحوذ الفيسبوك على نصيب الأسد من هؤلاء، و40% من البالغين يدخلون الإنترنت 3 مرات يومياً، وربطت الدراسة التي شملت طلاب الجامعات بين استخدام الفيسبوك وانخفاض التقدير الذاتي، وزيادة عدد الأصدقاء وانخفاض القدرة على تكوين العلاقات والتكيف في البيئة الحقيقية.
وأشارت الدراسة إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يجعل الفرد أكثر قلقاً، إذ يشعر دائماً بأنه في حالة ترقب للإشعارات والأحداث الجديدة، ما يزيد التفكك الأسري مع نقص ساعات النوم بما يضاعف من خطر التعرض للاكتئاب والقلق والسمنة والنوبات القلبية والموت، ويقول الخبراء: إن متوسط استخدام الفيسبوك فى الولايات المتحدة يصل إلى ما يقل عن 40 دقيقة يومياً، وهو ما يعنى 6.5 ساعة أسبوعياً، ولو استطاع المستخدم تقليل دخوله إلى 10 دقائق يومياً، لتمكّن من قضاء نصف ساعة إضافية يومياً مع عائلته بما يحسن الروابط الأسرية. وتشير أبحاث أخرى إلى أن المزاج يزداد سوءاً مع كل دقيقة إضافية يقضيها المستخدم على فيس بوك.
ويشير الدكتور فيصل النويس إلى أن هناك إحصاءات علمية تعود لموقع علمي متخصص يدعى (www.hoffingtonpost.com/brain-honigman/10-fascinating-social-me)، تشير إلى أن 25% من مستخدمي الفيسبوك لا يكلفون أنفسهم عناء أي نوع من الرقابة الخصوصية، ومتوسط الأصدقاء على صفحة الفيس بوك يجب أن يكون 130 شخصاً، و23% من مستخدمي الفيسبوك يقومون بفحص حساباتهم 5 مرات أو أكثر يومياً، كما أن أكثر من 1000000 موقع يتم دمجها مع الفيسبوك بطرق مختلفة. ويضيف: في إحصاءات «تويتر»: 23% من جميع مستخدمي الإنترنت يستخدمون تويتر، إضافة إلى إنشاء مليون حساب في تويتر كل يوم، ويتم إنشاء 11 حساباً كل ثانية على تويتر، إلى جانب أن 50% من مستخدمي تويتر يستخدمون برامج التواصل الاجتماعي عبر أجهزة الهاتف النقال، كما تمت مشاركة أكثر من 4 مليارات صورة على الانستغرام منذ بدايتها، والانستغرام لديها أكثر من 432,000 مستخدم يوميا أي ما يزيد على تويتر بكثير، وتشير الدراسات إلى أن المستخدم العادي يقضي على الانستغرام 257 دقيقة للوصول إلى موقع لتبادل الصور عبر جهاز الهاتف النقال، في حين أن متوسط مستخدمي تويتر خلال الفترة نفسها يقضون 170 دقيقة.
استخدام معتدل
عبدالله عبدالرحمن الهاشمي، يقول: لا شك في أن برامج التواصل الاجتماعي أصبحت تأخذ حيزاً لا بأس به من يوم الفرد، وما ساعد على ذلك سرعة وسهولة الحصول على الأجهزة الذكية، وسرعة انتشار هذه البرامج في المجتمعات حتى أصبحت بين يدي الكبير والصغير، ولا يمكننا إلقاء اللوم على هذه البرامج، والقول بأنها تسببت في ضعف التواصل والترابط الأسري أمر فيه مبالغة نوعاً ما، في السابق كان البعض يلقي باللوم على أشياء أخرى كالهاتف الثابت والتلفاز على أنهما كانا أيضاً من أسباب ضعف التواصل. وبغض النظر عن هذه المسألة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي هي من وسائل الاتصال، وحري بها أن تساعد على التواصل والترابط لا أن تؤدي إلى الشتات، وهذا يتم عبر الاستخدام المعتدل والفعال لها بالطرق السليمة.
وقال: «لا يخلو منزل اليوم من مجموعة خاصة في الواتساب، تضم أفراد الأسرة كافة، وقد يمتد هذا لتصبح هناك مجموعة لأبناء العم، وأخرى لبنات العم، ومجموعة شاملة للجميع، وهذه المجموعات هي في الوقت ذاته أداة لنشر الإعلانات لمواعيد الاجتماعات العائلية، كما أنها تكثر من عملية التواصل بين أفراد الأسرة كبيرها وصغيرها، وتزيل الحرج عمن يخجل من الحديث في المجالس، لهذا يمكن القول إنها تؤدي أدواراً في تسهيل عملية التواصل بشكل فعال. وهذا لا يعني عدم وجود سلبيات، وقد يحدث أحياناً أن تكون سبباً في الانقطاع عبر المشاكل. ومن الضروري أن يكون هناك اعتدال في الاستخدام».
نقلا عن الاتحاد