استجابة لطلب ذوي القتلى والناجين الإسرائيليين من عملية "طوفان الأقصى"، لبى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بسرعة عاجلة هذا النداء، والتقى بهم وقتا طويلًا، واستمع لشهاداتهم. ثم وفي وقت لاحق التقى -وعلى عجل ومن باب التقاط الصورة والمجاملة- بممثلين عن ذوي عائلات فلسطينية في الضفة الغربية في أحد المكاتب.
وفي المقابل لم نجد هذه السرعة، وهذه الحماسة، ولا حتى الاستجابة لمئات الطلبات من ذوي الضحايا- وعلى الهواء مباشرة- لزيارة قطاع غزة، والاطّلاع على معاناة سكانه أو مشاهدة حجم الدمار الهائل في أعيانِهم المدنية. هذه المفارقة الصارخة دفعتنا للكتابة عن نزاهة وموضوعية كريم خان.
لقد شكّل تأسيس المحكمة الجنائية الدولية- التي انطلقت عام 2002- أملا في تحقيق العدالة الدولية، ومحاسبة المتورطين بجرائم دولية مروعة. لكن هذا الأمل سرعان ما تلاشى، عندما تبيّن أن معظم القضايا التي أحيلت إلى المحكمة وصدر فيها حكم إدانة من أفريقيا، ولم يكن من بينها حالة فلسطين، رغم أن الجرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة موثّقة، وأن الإحالة من طرف دولة فلسطين قد تمّت فعلًا منذ عام 2018.
كانت دولة فلسطين قد أودعت عام 2015 عبر وزارة الخارجية إعلانًا لدى المحكمة؛ بموجب المادة 13 الفقرة 3، قبلت فيه باختصاص المحكمة بأثر رجعي يعود إلى تاريخ 13 يونيو 2014. ولاحقا وفي عام 2021 قرّر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان فتح تحقيق. وزاد من حالة الريبة والشك، سرعة التحقيق في حالة أوكرانيا، وإصدار مذكّرة توقيف بحق الرئيس الروسي خلال عام واحد من هذا النزاع، في حين لا تزال فاعليّة التحقيق في حالة فلسطين متعثرة.
فلسطين؟ كل ذلك يطرح أسئلة من عيار ثقيل، وهي أن المحكمة تعمل وَفق ضغوط سياسية، وليس وَفق معايير مهنية تنشد العدالة مهما كانت الظروف معقدة.
لقد تجاهل كريم خان بشكلٍ شبه تام الأحداث في غزّة، ولم يقم بإصدار أية مذكرة توقيف بحق قادة إسرائيليين صرحوا بشكل واضح بأنّهم سوف يقطعون الماء والدواء والغذاء عن سكان قطاع غزة، بما يمثل جريمة عقاب جماعي، فضلًا عن الجرائم المروعة التي ارتكبت بحق السكان المدنيين الفلسطينيين، والتي تسبّبت بمقتل أكثر17 ألف مدني فلسطيني، معظمُهم من الأطفال والنساء، فضلًا عن استهداف منهجي للأعيان المدنية، بما فيها المستشفيات.
فيها المستشفيات.
لماذا لم يُصدر مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين؟
ارتكب جيشُ الاحتلال جرائم مروّعة ضد سكان قطاع غزة، لم تبدأ، فقط، منذ السابع من أكتوبر 2023، بل إن الحصار الخانق الذي فرضه جيش الاحتلال 2007، وما ارتكبه من جرائم ما بين هذين التاريخَين، وقبل ذلك الاحتلال الإجرامي والذي بدأ عام 1967، كل ذلك لم يدفع السيد كريم خان للتعجيل بإصدار مذكِّرات توقيف. بل هو يتعامل وكأن القضية هامشية لا تستوجب التسريعَ في إجراءات المحاكمة.