عاشت إسرائيل عقودا طويلة تتدعى المظلومية والاضطهاد وتصوير نفسها على أنها تعيش وسط إرهاب، وفى محيط من الكراهية، والعنف من كل جانب، لدرجة أن الكل صدّقها وتناسى أو غض النظر على أنها هي الإرهاب نفسه بعدوانه المستمر على شعب أعزل لاغتصاب أرضه، وهى صانعة الكراهية باعتقالها للأطفال والنساء واغتيال الناس، وبئر الخيانة في المراوغة والكذب والتضليل ونقض الاتفاقيات، والعنصرية كلها في تدنيس المقدسات ودور العبادة، لكن و- بفضل الله - نجحت المقاومة الفلسطينية فى أكتوبر 2023 أن تضربها في مقتل وفى مكان أوجعها حقا.
فبعيدا عن حسابات الربح والخسارة لعملية طوفان الأقصى وتداعياتها، مما لا شك أن الاحتلال تلقى ضربة آلمته وأوجعته كثيرا عندما نجتحت المقاومة الفلسطينية فى قلب موازين الرأي العام العالمى والغربى على الأخص بشأن تعاطفه مع الرواية الإسرائيلية الواصفة دائما المقاومة والفصائل الفلسطينية بأنها إرهاب وحشى، وذلك من خلال تعامل المقاومة مع الرهائن بطرق إنسانية، فخروجوا بعد الإفراج عنهم يقولون ويتحدثون عن إنسانية المقاومة ولسان حالهم جميعا مرددا "لم نتصورهم هكذا.
نعم كل الرهائن تحدثوا لفظا أو معنى قائلين "لم نتصورهم هكذا" ما كشف ادعاءات إسرائيل الكاذبة وتوصيفاتها المُغرضة وأحاديثها المُضللة، وما جعل الرأي العالم العالمى يُعيد النظر فيما تقوله إسرائيل مما وضعها في موقف محرج كبير.
لذلك فإن هذا انتصار لا يقل عن انتصارات الميدان، فأجزم بأن الكيان الصهيوني كان يتمنى أن يخسر معركة في الميدان ولا يخسر هذه المعركة النفسية والإعلامي، لأنه يُدرك تماما أن خسارته هذه المعركة ستكلفه الكثير والكثير سواء على مستوى الدعم العالمى أو التعاطف الغربى، وأن هذا بداية مسمار في نعش مشروعه.
والمتتبع لأحاديث وتسريبات الرهائن حول معاملتهم الجيدة من قبل المقاومة، وكذلك مشاهد الوداع بين الرهائن وعناصر المقاومة المسئولة عن التسليم أثناء عملية تبادل الأسرى يرى هذا النجاح الذى حقق نتائج مثمرة في الدفاع عن القضية وشرف صمود الشعب الفلسطينى وأبطال مقاومته.
لذا، كلنا أمل في استمرار المقاومة لهذا النهج والحفاظ على هذا النصر وتعزيزه، لأن كسب معركة الإعلام والوعى لا تقل عن كسب المعارك بالسلاح والطائرات، لذلك نتمنى أيضا من كل الوسائل الإعلامية العربية والإسلامية ضرورة تعزيز هذه المشاهد والحديث الدائم عن هذه المواقف لترسيخها في وجدان الرأي العام العالمى والعربى والإسلامى، وفى نفس الوقت مُحاصرة الاحتلال حتى لا يُفكر في كيفية الخروج وإيجاد ثغرة لأنه لن يقف صامتا.
وأخيرا.. أدعو الكل في ظل زمن السموات المفتوحة إلى النشر وضرورة التوثيق من قِبل المؤسسات الإعلامية والتوعوية والمجتمعية ومن قِبل الأفراد، فمن يمتلك صفحة أو منصة على مواقع التواصل الاجتماعى فهو يمتلك منبرا إعلامية خاصة أننا نعيش إعلاما جديدا قائم على السوشيال ميديا والعالم الافتراضى في التأثير والانتشار.. نصر الله أشقائنا في فلسطين.