لا يختلف اثنان على أهمية تضافر جهود النضال الشريف والبناء في بوتقة واحدة وتجاوز الخلافات التافهة لأعلام ذلك النضال من أجل المصلحة العليا والهدف النبيل الذي يعتبر ضالة كل مواطن غيور يسعى لإلحاق بلاده بالركب , وما دام الأمر كذلك فالحق لا يرفض الحق بل يشفع له ويعاضده , ومن هذا المنظور فإنه للجميع الحق في المساهمة من قريب أو من بعيد , قليل أو كثير لرفع كل تحد من شأنه المساس بكرامة أي إنسان أو حرمان ذلك الإنسان مما هو حق له مشروع بالنظر طبعا لتلك المواطنة التي تشرع للأفراد والجماعات حق الدفاع عن تلك الشرعية التي يكفلها القانون والنظم المعمول بها , وحيث ذلك فلا يمكن المساس أو الطعن في مواطنة أي كان ما دامت دوافعه ودفاعه المستميت عن تلك المواطنة مشروعين بمنطق حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.
وفي هذا الإطار وانطلاقا من حتمية الالتزام فإن حديثا لنا في هذا المقال المتواضع سوف ينصب حول نقاط مهمة يتوجب على الحركة الانعتاقية إيرا القيام بها لكسب الرهان وتوحيد الصف أو على الأقل تجنب الإستمرر في الإيقاع بكل من هب ودب من لا يملكون فكرا مسلحا يقيهم سعير تلك العواصف الهوجاء وإثارة السبع الأخلاقي لديهم حول أمور من حقهم بطرق ليست من حقهم ذلك أنهم بها يتجاوزون الآخر ولا يخدمون أنفسهم , ونحن في ذلك وبكل ذلك نتوخى أقصى أنواع الموضوعية والحياد علها تكون مساهمة منا تصلح ذات البين...
لا يعني إطلاقا الظلم مجابهته بآخر مثله أو أبشع منه وإلا فكيف تكون العدالة التي ننشدها ونحرم الآخر منها , وإذ ذلك فليس هناك من شك حول الإرث الإنساني البغيض الذي عانته شريحة الحراطين من طرف أقوام طوعوا الظروف لصالحهم فدنسوا التاريخ وأسائوا للدين وفرقوا وأفسدوا ولم يصلحوا , هذا ما شهد به الواقع وشهدوا به على أنفسهم وكفى بالله شهيدا , وحيث أن المعنويون بالقول شريحة البيظان فقد بادر الخلف ولم ينكر خطأ السلف ولو جزئيا بل وساهم في تصحيح ذلك الخطأ الجسيم ولو أن المساهمة تبقى قاصرة ولاترقى لمستوى الإشادة... والدية عند الكرام الإعتذار...
وتعتبر حركة ايرا الإنعتاقية حديثة النشأة والنضال من بين حركات حقوقية يريد أصحابها وضع بصمات لهم إلى جانب الرعيل الأول في قضية معني بها الجميع لأنها تمس حياة الجميع , ولكن من المؤسف القول أن حركة ايرا لم تهتدي بعد لخطاب يمكنها من خلاله كسب مصداقية وثقة تشفع لها أمام أطياف المجتمع مجتمعة , فلم يحث في التاريخ أن نجح نضال شاذ بل آخر يرى فيه كل فرد ذاته , ومن هذا المنطلق يمكن لحركة إيرا تصحيح المسار واستمرار المشوار عبر تصحيح أمور يمكن ذكرها في النقاط التالية :
- إن نضال حركة إيرا ضد ظاهرة حدثت وتحدث بين أبناء الوطن الواحد يعتنقون نفس الديانة ويتقاسمون نفس الهوية الثقافية المستمدة من العروبة التي أتت بالإسلام , وعليه فلا مجال للقول بوجود جناح للنضال الثقافي العميق بما يعنيه ذلك من معنى لدى الحركة متمثلا في أسو قصص النضال مع أسو مناضال . ولا يلغي القاسم الديني والثقافي المشتركين للفئتين خصوصية كل منهما عن الأخرى , وعليه نستنتج أنه على حركة إيرا إعلان البرائة من أحدهم , حفاظا على ما تبقى من سمعة ذهبت في مهب الرياح واحترام لآخر لا يريد أكثر منه ...
- صحيح أن شريحة البيظان المسئول الأول والأخير عن تلك التجاوزات الصارخة والمنافية لكرامة الإنسان , لكن خطأ الاستمرار في تحميل البعض منهم من أجيال بريئة مسؤولية آخرين ذهبوا , فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون , وعليه يتوجب على حركة ايرا التوقف عن الترهيب منها بدل الترغيب فيها , فالآخر لأنه جزء من المشكل هو جزء لا يتجزأ من الحل كذلك , بل قد يكون أكثر فاعلية إذا ما أتيحت له فرصة البرهنة على نواياه وليست البرهنة من أجل البرهنة ...
- يتحدث بعضهم بمنطق الانتقام أو عنه يبحث والسؤال المطروح أمامه قد لا يكون عصيا إلا إذا أراد تجاهله , وهو : ممن ينتقم ولمن ولماذا وبأي وسيلة ؟ سؤال مركب يؤد كل محاولة شاذة وفكر أعرج للحيلولة دون الميل كل الميل نحو الهاوية والانتحار , ليستدعي مكان ذلك من الإيراويين التفكير مليا من أجل التخلي عن السادية وأنانية الطرح , وسلك أيسر السبل وأسلمها .
- حرر الإيراويون منذ مجيئهم العشرات ممن أظمي عليهم بفعل فاعل أحمق خان القيم الإنسانية والقواعد الدينية , لا جدال في ذلك لكنهم مع ذلك لم يفلحوا في تحريرهم كليا من نير الظلم وقيود الاستعمار , فالحرية لا تكون إلا بتعليم الضحية ما عليها من واجبات أو لا , ثم بعد ذلك مالها من حقوق ..ليستنطق من هذا حتمية الاهتمام بالتعليم ونشر العلم والتثقيف كوسيلة للنهوض بالشريحة المتضررة وليس رشق أفراد الأمن بالحجارة ولو أنهم يستحقون الرش بمدافع الكلاش نيكوف ....
- في ظل الدولة الحديثة فإن لها أدوار محورية حاسمة على كافة الأصعدة فيما يخص مواطنيها بما تضمن لهم قوانينها , وعليه فإنها المعني الأول وبالتالي على أفراد الحركة الانعتاقية من القمة إلى القاعدة التوجه بخطاباتهم إلى الطرف المعني بما يتناسب مع ذلك الطرف . ...
- لا جدال في أن تدويل القضايا العادلة أمر مطلوب سياسيا وحقوقيا من أجل كسب الرأي العام الدولي إلى جانب المحلي لتسريع عملية الاستجابة من الطرف المتعدي وتشريع التبني .... لكن على حركة ايرا فهم أن ذلك يكون في إطار حدود وضوابط كي لا يخرج الأمر عن السيطرة في لحظة لا يملكون معها فعل أي شيئ ...
وفي الختام يمكن القول أنه إذا كان دخول الاستعمار الفرنسي لموريتانيا قد شكل حدثا تاريخيا غير مجراها فإن ظهور الحركة الانعتاقية إيرا هو الآخر سيغير مجرى ذلك التاريخ , لكن كيفية ذلك التغيير تتحكم فيها عوامل مختلفة .