المفكر الفرنسي أوليفييه روا: إسرائيل تعيش جهلا مقدسا

سبت, 11/25/2023 - 14:22

كان تواصله مع العالم العربي والبيئة الإسلامية إنسانيا قبل أن يكون فكريا، وعندما بدأ دراسة الإسلام السياسي والحركات الجهادية لم يكن مستشرقا أوروبيا "آخر" وإنما عالم اجتماع ومعرفة نأى بنفسه عن التوظيف السياسي لأطروحاته التي كانت ولا تزال تثير الجدل في العالمين الغربي والإسلامي على حد سواء.

ولد عالم السياسة الفرنسي الشهير أوليفييه روا (1949)، في لا روشيل غرب فرنسا، وعمل أستاذا في المعهد العلمي للدراسات السياسية في باريس قبل أن يصبح مدير أبحاث مركز البحوث العلمية ومدير دراسات المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية الفرنسي، ومستشارا في مركز التحليل والتوقع التابع للخارجية الفرنسية.

بدأ أوليفييه عمله في أفغانستان التي ذهب إليها صبيا عام 1969 عندما كان بالكاد قد أنهى دراسته الثانوية (الليسيه)، ذهب مترحلا ومتجولا في شوارع كابل ومستكشفا الحياة في مدن الشرق، ولاحقا درس آسيا الوسطى في مدن أوزبكستان وطاجيكستان العريقة، قبل أن يعود لباريس وينال دكتوراة الفلسفة، ويدرّس في عدة جامعات ومعاهد فرنسية.

قدم روا مؤلفات مهمة في علم اجتماع الإسلام والأديان ترجمت أغلبها للعربية، ومنها "الإسلام والعلمانية"، "الجهل المقدس.. زمن دين بلا ثقافة"، الجهاد والموت"، "عولمة الإسلام"، و"فشل الإسلام السياسي" وغيرها، واستضافت الجزيرة نت أوليفييه روا ليتحدث عن مستقبل الأديان والهوية والعلمانية، فإلى الحوار:

لماذا كانت دراسة الإسلام والظواهر الاجتماعية المرتبطة به مثيرة لاهتمامك منذ صغر سنك؟
لم يبدأ الأمر بدراستي للإسلام، بل بسفري إلى البلدان الإسلامية. عندما كنت في الـ19 من عمري، ذهبت إلى أفغانستان متطفلا كرحّالة، بعدها زرت إيران وتركيا أيضا. كان ذلك أول تواصل لي مع البيئة الإسلامية، وأود أن أقول إنه كان تواصلا إنسانيا أكثر مما كان فكريا. ثم عندما عدت إلى فرنسا، قررت أن أتعلم اللغة الفارسية حتى أتمكن من التحدث مع الناس في أفغانستان وإيران. وبعد ذلك صرت أسافر إلى بلدان الشرق الأوسط بأكمله. فزرت المغرب واليمن ومصر وسوريا والعراق ولبنان.

لذلك، قررت أن أحصل على شهادة جامعية في الثقافة والحضارة واللغة الفارسية. وفي الجامعة، درست مادة في علم الإسلام، منحتني لمحة حول ماهية الإسلام، وتاريخ العالم الإسلامي.

ثم قررت أن أعمل بعمق أكبر، عندما غزا السوفيات أفغانستان عام 1979. لذلك، قررت أن أصبح خبيرا في أفغانستان، ليس مجرد مسافر، ولا مجرد هاوٍ، ولكن باحثا يعمل بجدية في دراسة حركة المجاهدين الأفغان. وبقيت لـ8 سنوات أزور أفغانستان وإيران، وحينها بدأت دراسة الإسلام السياسي والحركات الإسلامية الجهادية.

مضى حوالي 30 عاما على نشرك لكتاب "فشل الإسلام السياسي". هل ما زلت ترى أن الإسلام السياسي فشل؟ وما هي دلائلك؟
في الحقيقة، نعم. ما أسميه فشل الإسلام السياسي هو استحالة إنشاء دولة إسلامية حقيقية تكون فيها الشريعة هي القانون الوحيد ويكون كل شيء فيها إسلاميا، بدءا من المؤسسات والتعاليم، وصولا إلى العلوم والمصارف والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية. هذا وصف للمدينة الفاضلة، ونموذج يوتوبيا يمثل الأمة الأولى، والمجتمع الأول في زمن الرسول محمد. ونظريتي هي أنه عندما نشيّد دولة ما، فإن السياسة هي التي تقرر ما هو مكان الدين بتلك الدولة. ليس الدين الذي يقرر السياسة، بل العكس.

وخير مثال هو الثورة الإسلامية في إيران. ففكرة أن الدولة ستكون إسلامية فعلية، طرح سؤال ما الإسلام؟ وما الشريعة الإسلامية؟ ومن يتحكم بالشريعة؟

وبعد انتخاب مجلس النواب، اشتكى كثير من رجال الدين من أن النواب لا يعرفون شيئا عن الإسلام. وقرروا إنشاء لجنة من الأوصياء تشرف على التدقيق الإسلامي في القوانين التي صوت عليها مجلس النواب، لكنهم يختلفون دائما. لقد كانت الأيديولوجيا هي التي قررت ما هو ديني في النهاية. لذلك أعتقد أنه لا يوجد شيء اسمه دولة إسلامية فحسب، بل هناك دولة دينية.

وصفت القرارات السياسية الأميركية بشأن ما يسمى "الحرب على الإرهاب" بالفوضوية، وذلك في كتابك "سياسة الفوضى في الشرق الأوسط". هل تعتقد أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ما تزال تتسم بالفوضى؟
أعتقد أنها أقل فوضوية. وذلك لسبب واحد: أنهم ينسحبون. فكلما زاد تورطهم، زادت الفوضى. ظهر القرار الحقيقي بالانسحاب عندما قرر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عدم قصف الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2013. تلك كانت بداية الجزر الأميركي في الشرق الأوسط. ثم غادروا أفغانستان والعراق. وهذا أفضل بالطبع.

وجودهم هناك كان كارثة لأسباب مختلفة. أحد الأسباب الرئيسية هو ما أسميه الاعتقاد بجوهرية الإسلام. لقد ظنوا أن قضية تطرف الجهاد هي جوهر لاهوت الإسلام، وأنه يتعين القيام بنوع من الإصلاح الليبرالي، والإصلاح الديني للإسلام. لقد اعتقدوا أن على أميركا أن تقيم الديمقراطية في الشرق الأوسط من خلال إنشاء دولة علمانية وحديثة وديمقراطية في العراق. ولمحاربة التطرف، اعتقدوا أن عليهم احتلال العراق. لقد كان كل ذلك غير منطقي، لأن الراديكاليين الإسلاميين لم يكونوا متجذرين في منطقة معينة بالشرق الأوسط. لذا فإن الحرب على الإرهاب كانت مبنية على الكثير من الافتراضات الخاطئة.

لقد أصبح الإرهاب مصطلحا فضفاض الاستخدام في العالم الغربي، ويسهل استخدامه عندما يكون هناك عنصر إسلامي يتعلق بحدث ما. هل تعتقد أنه يجب علينا إعادة تعريف الإرهاب فعلا؟
أشعر بالقلق أكثر فأكثر من استخدام مصطلح الإرهاب في العالم الغربي، فكل من يختلف مع الحكومة حاليا، يصير إرهابيا.

تقليديا، إذا تمكنا من التفكير في تعريف الإرهاب، فهو قتل المدنيين من قبل منظمات غير حكومية من أجل الضغط على الدولة. وهو تعريف ضيق. فمثلا ماذا عن حركات الحرب غير النظامية؟ وخير مثال على ذلك هو حرب الجزائر ضد الفرنسيين. إذ يستخدم الفرنسيون مصطلح الإرهابيين لوصف جبهة التحرير الوطني التي قتلت مدنيين عشوائيا لدفع الحكومة الفرنسية للتفاوض. ولقد نجح ما فعلته جبهة التحرير الوطني فعلا، لأن فرنسا قررت التفاوض.

بالتالي، إذا عرّفنا الإرهاب من خلال الوسائل المستخدمة في الحرب غير المتكافئة فحسب، يصير حكما قيميا.

ومن الناحية السياسية البحتة، يمكننا أن نرفض الوحشية في قتل المدنيين والتعذيب والاغتصاب وما إلى ذلك. ولكن من منظور سياسي، على المدى الطويل، يصير الأمر مأزقا ومسؤولية قانونية. المشكلة ليست في الوسائل التي تستخدمها الحركة المقاتلة، لكن فيما إذا كانت هذه الحركة قادرة على التفاوض سياسيا.

وطالما هناك أمر للتفاوض عليه، فيجب أن نكون حذرين بشأن استخدام مصطلح الإرهاب. الإرهابيون هم من لا يريدون التفاوض السياسي.

لذلك أتردد في القول بأن حركة حماس منظمة إرهابية. يمكن إدانة قتل المدنيين في عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لكن استبعاد حركة سياسية عسكرية بسبب الوسائل التي تستخدمها في القتال، ليس مفيدًا على المدى الطويل. يجب أن نفكر دائما بما هي وجهات النظر السياسية في صراع ما. وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هناك وجهات نظر سياسية حتما، ولا يساعد استبعاد جهة فاعلة من الحوار لمجرد تسميتها بالإرهاب. فاستعمال هذا النوع من التصنيف لإقصاء وجهات نظر سياسية، هو خطأ سياسي.

في الثمانينيات قضيت سنوات في دراسة الظروف الاجتماعية لحركات القتال الإسلامية لفهم سياقاتهم. مشددا على ضرورة فهم السياقات المختلفة التي تجعل كل حركة إسلامية مختلفة عن الأخرى. لكن يُلاحظ أن الرأي العام الغربي يضع جميع الحركات الإسلامية في سلة واحدة وكأنها تتماثل تماما. برأيك، ما الذي يجب على الجمهور الغربي معرفته من السياقات المختلفة لتشكيل رأي عام حول الحركات التي يصفونها بالإرهابية؟
تبدو فكرة تثقيف الرأي العام مثالية إلى حد ما، إذ يتشكل الرأي العام من خلال الأفكار الثقافية السائدة. كما أن هناك تناقضا بين التحالفات الجيوسياسية الحقيقية والطريقة التي يفكر بها الناس في هذه التحالفات.

في الواقع، يبدو أن أفكار الناس تتأثر بعاملين رئيسيين: ما يرونه في وسائل الإعلام وما يختبرونه شخصيا في حياتهم اليومية. وهذا التعقيد يجعل مفهوم الرأي العام إشكاليا، إذ غالبا ما يحمل الأفراد وجهات نظر متناقضة دون الشعور بالمسؤولية عنها. تنطوي الحياة الفعلية على مسؤوليات مثل العلاقات مع الجيران والأسرة والعمل، مما يجعلها أكثر تعقيدا بكثير من الفكرة المبسطة للرأي العام.

المشكلة في المناقشات حول الإسلام هي أنه يتم تصويره على أنه مشكلة، لكن هذا تفكير سطحي إلى حد كبير. إن التناقض الحقيقي يكمن بين تصوير العالم في وسائل الإعلام وبين حياة الناس الفعلية.

علاوة على ذلك، هناك فجوة آخذة في الاتساع بين المناقشات السياسية المجردة وواقع حياة الناس، والتي تفاقمت بسبب الإنترنت، مما خلق أزمة في الرابطة الاجتماعية. فعلى الإنترنت، يمكن للأفراد التعبير عن أي شيء، مما يسهم في الانفصال بين الفضاء العام المجرد وتعقيدات الحياة اليومية.

الفيديو

تابعونا على الفيس