لقد عرفت فلسطين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أحداثًا مؤلمة خصوصًا في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية التي ادت في النهاية إلي تقسيم فلسطين و قيام العدو الصهيوني في تشرين الثاني نوفمبر 1947م بتطبيق سياسة تطهير
عرقي أستهدفت كل الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم و ترحيلهم قسرًا و سيطرة اليهود الوافدين علي كامل المنطقة و إعلان الدولة الإسرائيلية المغتصبة في 14مايًو من سنة1948م.
و مع إنتهاء الحرب سنة1949م فقد تم الإتفاق وقتها علي إبقاء إدارة مصرية لقطاع غزة و إدارة أردنية للضفة الغربية و ذلك حتي تاريخ حزيران يونيو من سنة 1967م عندما أحتلت إسرائيل معظم الأراضي المتبقية خلال حرب الأيام الستة.
و الظاهر أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة و بقوة في وجدان كل الشعب الموريتاني و نخبه السياسية و الفكرية و الدينية و قد تم التعاطي معها بكل ما تستحقه من مركزية و أهمية بإعتبارهها
القضية الأولي بالنسبة للعرب و المسلمين علي حد سواء .
فقبل إستقلال البلاد عن المستعمر الفرنسى ،قام مندوب موريتانيا في الجمعية الفرنسية السيد أحمدو بن حرمة بابانا رحمه الله بمغادرة مجموعته الحزبية الإشتراكية في البرلمان الفرنسى
إحتجاجا منه و رفضًا لتقسيم فلسطين و قيام دولة إسرائيل سنة1948م .
كما لم تألو حكومة الإستقلال برئاسة الرئيس الراحل المرحوم المختار بن داداه أي جهد في الدفاع عن الحق الفلسطيني
الثابت في تحرير أرضه و قيام دولته المستقلة و عاصمتها القدس الشريفة ذلك في مختلف المحافل الإقليمية و الدولية . و يحسب للرئيس المختار إستخدام نفوذه و علاقات الصداقة المميزة التي ربطته مع العديد من الرؤساء الأفارقة و زعماء العالم لجرهم
لمناصرة القضية الفلسطينية في منابر الأمم المتحدة.
اليوم ، للتأكيد على تنصلها من جميع القرارات و المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني و تجاهلها لإتفاقية السلام العربية المعروضة عليها منذ العام 2002م ، تقوم سلطات الإحتلال بالتوسع في الضفة الغربية و تهويد القدس و محاصرة غزة و قصفها جوا و برا و بحرا في خطوة غير مسبوقة لإبادة جماعية لسكانها و من ثم تصفية القضية الفلسطينية و تحقيق مخططات الإحتلال.
في هذا السياق ، فإننا نثمن عاليًا الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي عبر عنه فخامة رئيس الجمهورية
السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في القمة العربية الأخيرة الذي أكد خلالها رفض موريتانيا القاطع و وقوفها الصارم
ضد ما يتعرض له الأشقاء في غزة من تدمير و حصار و جرائم صارخة ضد الإنسانية مشددا في نفس الوقت على آنه
آن الآًوان أن يقتنع الجميع أنه لن ينعم أحد في هذه المنطقة بسلام أو أمن مستديم إلا بقدر ما ينعم به الآخرون.
و على الرغم من تناغم هذا الموقف الرسمي مع ما تقوم به مختلف الفعاليات السياسية و النقابية و الفكرية و الإعلامية
و هيئات المجتمع المدني من دعم و مساندة لسكان غزة في هذه المحنة العصيبة ، فإننا نعتبر موقف الرئيس موقفًا جريئا و تاريخيًا بإمتياز ، لأنه أعاد الإعتبار لدور الديبلوماسية الموريتانية و لقرار البلاد السيادي في وقت يشكو فيه العمل العربي المشترك ضعفًا لا فتا و عدم إنسجام معظم الدول العربية بخصوص معالجة العديد من الملفات المطروحة . و هي ميزة حسنة تنضاف إلي سجل الرجل في إدارته لشؤون الحكم.
بقلم د. محمد الراظي بن صدفن