تزامناً مع الحرب على غزة، تشهد إسرائيل حرباً داخلية اندلعت مع عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر الحالي، بين عدة جهات داخلها، حول المسؤولية عن هذه الضربة الإستراتيجية التي أفقدت الإسرائيليين ثقتهم بها وبجيشها، بل بمستقبلهم فيها، وليس فقط بحكومتهم.
رغم الدعوات لتأجيل النقاشات الداخلية حول مسؤولية المستويين العسكري والسياسي، تستعر نار السجال بينهما مجدداً، كما حصل في أول أمس. في المؤتمر الصحفي مع غالانت وغانتس أجاب نتنياهو على أسئلة صحفيين، وتحاشى تحمل المسؤولية، بعكس قيادات إسرائيلية كثيرة أخرى، وقال سنعود لاحقاً لـ “قلب كل حجر” من أجل التوصل لحقيقة ما حصل. بعد أجوبة قصيرة على الأسئلة الصحفية سارع نتنياهو لإنهاء المؤتمر الصحفي بدعوى أن “عملاً كثيراً ينتظرهم”، ولكن، بعد ساعة نَشَرَ تغريدة أجّجت النار الداخلية، بقوله إنه، بعكس المزاعم الكاذبة، لم تصل لرئيس الحكومة نتنياهو في أي وقت أو مرحلة أي رسالة إنذار حول نية “حماس”. بالعكس، كل الجهات الأمنية، بما في ذلك رئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس “الشاباك”، قدّرت أن “حماس” مرتدعة ووجهتها نحو تسوية. هذه هي التقديرات التي تم رفعها لرئيس الحكومة، مرة تلو المرة، للمجلس الوزاري المصغر على يد الجهات الأمنية حتى اندلاع الحرب”. ويبدو أن هذه التغريدة تعكس هواجس نتنياهو وخوفه من “الحرب الداخلية” التي تنتظره، وفيها سيقف أمام تسونامي من المساءلة والمحاسبة، على خلفية الضربة الخطيرة في الوعي، وفي صورة وهيبة الجيش والدولة، جراء “طوفان الأقصى”.
وأثارت تغريدة نتنياهو غضباً ونقاشاً واسعين داخل إسرائيل، لم يتوقف، حتى بعدما بادرَ نتنياهو لشطبها، في ساعة متأخرة من ليلة أول أمس، استجابة لضغوط وطلبات الكثير من القيادات السياسية، منهم الوزير بلا حقيبة، بيني غانتس.
وكتب غانتس، أمس، وبعدما محى نتنياهو تغريدته بساعات، أنه في أيام الحرب علينا تعزيز، ودعم قوات الأمن، بمن فيهم قائد الجيش وجنوده ورئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس “الشاباك”، وعدم الانشغال في الأسباب التي أدت إلى هذا التقصير، وتابعَ، في تغريدته، موجهاً انتقاداً مبطّنا لنتنياهو:
“عندما نكون في حرب، على القيادة التحلي بمسؤولية، واتخاذ قرارات صحيحة، وتعزيز قواتنا كي تحقق ما نريده منها. كل عملية أو مقولة أخرى تضرّ بقدرتنا على الصمود وبقواتنا. على رئيس الحكومة أن يتراجع عن مقولته، ليلة أمس، والكفّ عن الانشغال بهذا الموضوع. قلت بالأمس إن عبئاً ثقيلاً يقع على أكتاف رؤساء المؤسسة الأمنية، نتيجة ما حصل وسيحصل، وهذا الصباح، أرغب بالتشديد على القول إننا نساند قوات الأمن، ونقف خلفها فلا تنظروا للخلف، ولا للأعلى، بل واصلوا مهمتكم. نحبّكم ونقدّركم ونمنحكم الدعم”.
ومن جانبه صعّد رئيس المعارضة يائير لبيد اللهجة ضد نتنياهو، واعتبرَ أنه تجاوزَ خطاً أحمر، وأنه يضعف الجيش خلال الحرب. وأعاد نشر فيديو، كان قد نَشَرَه قبيل السابع من أكتوبر حذّرَ فيه الإسرائيليين من احتمال اشتعال حرب في عدة جهات، فيما ينشغلون في “الانقلاب على النظام” الذي تقوده حكومة نتنياهو، مذكّراً بتحذيرات قادة قوات الأمن من استمرار السجالات الداخلية.
فيما قال قائد الجيش الأسبق وزير الخارجية السابق غابي اشكنازي، في تغريدة: “سيدي رئيس الحكومة فلتقم بمحو تغريدتك، نحن في حرب”.
وجاء في بيان صادر عن حركة احتجاجات عناصر الاحتياط “إخوة في السلاح” أنه “في الوقت الذي يتكتّل فيه الشعب خلف الجيش، ويعمل على مدار الساعة من أجل الانتصار على “حماس”، يختار نتنياهو الانشغال بسياسة حزبية وبلجنة التحقيق (التي يتوقع تشكيلها بعد الحرب على غزة) وهو ليس قادراً على القول “أنا مسؤول”. وزعيم حقيقي يساند قوات الأمن ويتحمل مسؤولية
ليبرمان حذر من سيناريو مشابه
في سياق متصل، كان وزير الأمن الأسبق، المعارض لنتنياهو، رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان قد كشف عن أنه قدّمَ وثيقة لنتنياهو حذّرَ فيها، عام 2016، من سيناريو تحقق بالكامل في السابع من أكتوبر 2023. وقال ليبرمان، في حديث لقناة 12 العبرية، قبيل مؤتمر نتنياهو الصحفي، إنه تنبأَ بـ “طوفان الأقصى”، زاعماً أنه، كوزير للأمن في حكومة نتنياهو، بعثَ مذكرة للأخير، في 21.12.2017، حذّرَه فيها مما حصل لاحقاً في السابع من الشهر الجاري، “لكن المجلس الوزاري المصغر بالكاد ناقشَ ذلك، واستخفوا بما قدمته، بمن فيهم قائد الجيش غادي ايزنكوت”.
على خلفية التساؤلات والانتقادات المتزايدة، بادرَ نتنياهو لنشر تغريدة غير مسبوقة بلهجتها قال فيها: “أخطأت. بعد المؤتمر الصحفي ليلة أمس قلتُ أقوالاً لم نكن حاجة لقولها. أعتذر عن ذلك. أمنح الدعم الكامل لرؤساء الأذرع الأمنية، وأشدّ على يدي قائد الجيش وقادته وجنوده المتواجدين في الجبهة ويقاتلون على البيت. معاً ننتصر”.
ميدانيا وللمرة الأولى، اعترفت جهات إسرائيلية رسمية بإصابة ضابط بجراح قاسية وجندي بجراح متوسطة، داخل شمال قطاع غزة، خلال اشتباكات مع قوات فلسطينية، موضحة أن الجيش هاجمَ، في اليوم الأخير، 450 هدفاً، وأنه يقوم بتوسعة عملياته هناك دون استخدام مصطلح “اجتياح بري”. وتعقيباً على ذلك، قال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانمئيل هغاري إن الحرب مركّبة ومنوطة بخسائر بشرية أيضاً.