سياسة تغيير النظام التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2001، وترتّب عنها العديد من الكوارث، من ذلك مشكلة الإرهاب، وتعميق الشرخ السني الشيعي، وفرض التباعد بين الشعوب والنظم الحاكمة، عبر اتفاقيات إبراهيمية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. هذه السياسة الفاشلة والانتهازية تسببت بمعاناة كبيرة، وبالعديد من الضحايا المدنيين، وليست مشكلة اللاجئين والمهجّرين التي شهدت واحدة من أسوأ موجاتها في التاريخ الحديث، سوى نتيجة لمسار التدخل الخارجي، والعبث بالمنطقة وبشعوبها ومقدّراتها وبسلمها الأهلي من قبل قوى استعمارية تنهب مقدرات الدول وتُفقر مواطنيها.
وعملية إدارة الأزمة في فلسطين من قبل أمريكا، تحولت إلى تشريع معلن للاستيطان وإطلاق يد إسرائيل لتفعل ما تشاء، دون أدنى محاسبة أو ضغط يوقف سياساتها المتطرفة تجاه أصحاب الأرض والحق التاريخي المسلوب. والحرب الهمجية على غزة هذه الأيام أثبتت حقيقة المشروع الأمريكي الصهيوني، ومن ورائه المتذيلين من دول أوروبية، هدفهم تصفية فلسطين، هم استعماريون وإجرامهم وعنصريتهم هما جزء من تركيبتهم السيكولوجية وتاريخهم الدموي الذي يعززه حاضرهم ويشهد على ذلك.
للمشروع الاستيطاني في فلسطين التاريخية، والركن الداعم لإسرائيل كدولة يهودية. «لقد قامت دولة إسرائيل بالدم والنار، بالإكراه والتضحيات، ولم تكن لتقوم بغير ذلك، لكننا لم ننته بعد، يجب أن نحارب ونكمل قتالنا، ذلك أن إقامة ما يسمى «إسرائيل الكبرى» أو «الإمبراطورية الإسرائيلية اليهودية» لا يمكن أن يتحققا إلاّ من خلال سحق الآخرين، وهم في هذه الحالة الفلسطينيون والعرب، وإلغاء وجودهم، ذلك أنه «من العبث القول بالمشاركة والتعايش». هذه كانت فلسفة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن، الذي نظر للعنف ضد الفلسطينيين معتبرا أنّ «قوة التقدّم في تاريخ العالم ليست للسلام بل للسيف».
هذا هو جوهر التفكير الصهيوني التاريخي، عبثوا بمقولات السلام التي رددها العرب مقابل الاعتراف بهم، ونسفوا الجغرافيا في رغبة واضحة بالتخلص من الوجود العربي والمسمى الفلسطيني لتكريس يهودية الدولة. هؤلاء لا يفقهون لغة السلام، فقد افتكوا الأراضي الفلسطينية، وسطوا عليها بالقوة والإرهاب. النضال والمقاومة هما السبل الكفيلة باسترداد الحقوق المسلوبة. وعلى الفلسطينيين التمسّك بهذه الخيارات دون غيرها طريقا للتحرّر الوطني من نير الاستعمار الذي لن ينال أي شرعية مهما طال به الزمن وجمع من الأحلاف ما أراد. وليس جديدا سقوط الضمير العالمي، واصطفاف ما تسمى «الديمقراطيات الغربية» إلى جانب المحتل الصهيوني، ووقوف رؤسائها مع القاتل، ومعانقته في زيارات متتالية لا تخرج عن تبنيهم المعتاد للسردية الصهيونية حتى في أبشع الوقائع والمجازر، التي ترتكب في حق المدنيين في غزة والضفة الغربية في إجرام مفتوح مدعوم من دعاة حقوق الإنسان والقانون الدولي.
كاتب تونسي