في اليوم السابع عشر لحرب التدمير المستمرة على قطاع غزة طمعا بنكبة جديدة توازي الحدث الاستراتيجي الجلل المتمثل بـ”طوفان الأقصى” وربما طمعا بالتمهيد لمرحلة تالية، تواصل إسرائيل تحويل سماء غزة إلى جحيم بقصف جوي عشوائي وحشي يهدف لتدمير وتفريغ مناطق واسعة، بيد أنها متردّدة حيال الحملة البرية التي هددّت وتوعدّت بها، وتتزاحم التفسيرات العلنية والدوافع غير المعلنة والتسريبات حول الحسابات والاعتبارات خلف ذلك.
وبالتزامن، يتهم وزراء في إسرائيل رئيسَ حكومتها بنيامين نتنياهو بمنع الاجتياح بذرائع مختلفة ويصفونه بـ”الجبان”.
في الأمس، عاد وزير الأمن في حكومة الاحتلال يوآف غالانت للتهديد والوعيد، وقال إن “المناورة الحالية” ينبغي أن تكون الأخيرة على غزة بعدها لن تبقى حركة “حماس” موجودة، داعيا سلاح الجو لـ”هرس القطاع” أولا قبل القتال وجها لوجه براً.
في اجتماع لجنة الخارجية والأمن داخل البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قال غالانت مجددّا إن أهداف الحرب “محو حماس” وإنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة، وإزالة المسؤولية من جانب إسرائيل عن الحياة في قطاع غزة وصياغة واقع أمني جديد لمواطني إسرائيل وسكان الغلاف.
وتبعه اليوم، وزير التعليم يوآب كاش، الذي حاول تخفيف وطأة التساؤلات عن الحملة البريّة العالقة، بقوله للإذاعة العبرية العامة، إن الوقت يعمل لصالح إسرائيل، وتستغله الآن لـ”هرس قوة حماس” من الجو قبيل المواجهة البرية. وخلص كيش للقول بالعربية إن “العجلة من الشيطان”.
ومع مرور الأيام، يزداد السؤال إلحاحا: لماذا لا تقدم إسرائيل على الاجتياح البري الذي أعدت له كل جيش الاحتياط، ويقول جيشها إنه جاهز تماما له؟
ويبدو أنه علاوة على ضغوط أمريكية والرغبة باستعادة الأسرى والتثبّت من نوايا حزب الله في الجبهة الشمالية وغيرها من الحسابات، فإن الجيش الإسرائيلي فعليا غير ناضج لحرب برية على الأقل في هذه الأيام. وهذا ما يؤكده عدد من المراقبين والجنرالات الإسرائيليين في الاحتياط، أبرزهم الجنرال يتسحاق بريك الذي يحذّر منذ سنوات أن الجيش غير مؤّهل لخوض حرب، وعاجز عن الدفاع عن الإسرائيليين ويدعوهم للاستعداد للدفاع عن أنفسهم. وربما تكمن مؤشرات هامة تفسّر تأجيل الحملة البرية بلقاء نتنياهو مع بريك مرتين في الأيام الأخيرة.
إسرائيل في مصيدة
عوامل إضافية خلف التأخير.. بين الحقيقة والكذب
وكان موقع “والا” قد قال في الأسبوع الفائت، إن مجلس الحرب يواصل تعليق الحملة البرية الواسعة نتيجة عدة اعتبارات، منها الرغبة بـ”تطهير” المستوطنات في “غلاف غزة” من “المخرّبين”، وتحسين المواقع الدفاعية على الحدود، والعمل على تأهيل القوات البرية قبيل الاجتياح بعدما قُتل مئات من الجنود الإسرائيليين، وأصيب بجراح أكثر من 1000 جندي.
كما قال “والا” إنه رغم التريّث في المراحل الأولى، تقرر تجنيد كامل قوات الاحتياط برا وبحرا وجوا على الجبهات الشمالية والجنوبية والوسطى (الضفة الغربية المحتلة) ولاحقا اتخذت الحكومة قرارا بضغط أمريكي، بترتيب مسألة المساعدات الإنسانية للقطاع، قبيل الدخول في حملة برية.
ورأى “والا” الأسبوع الماضي، أن العملية البرية تتأخر لعدة عوامل إضافية، منها: تحضير الجيش والخطط العملياتية، وكسب الشرعية الدولية لحملة برية في منطقة سكنية، ووصول الرئيس الأمريكي بايدن للبلاد وضغوطه من أجل منع المساس بالمدنيين.
وأوضح “والا” أن ضغوط حزب الله في الشمال تلعب دورا في تأخير الحملة البرية؛ لأن الجيش يحتاج للمزيد من استكمال الجهوزية ويأخذ بالحسبان تدهور التراشق في الشمال لجبهة حرب.
في المقابل ينقل موقع “واينت” عن قائد كبير في الجيش الإسرائيلي، قوله إن المقاتلين يستعدون لدخول قطاع غزة، وهم يستزيدون أكثر في معرفة العدو وفي تحضير عمليات تباغته. وتابع: “لا توجد معضلة حيال السؤال هل ندخل أم لا، وعندما يتقرر الدخول سنوقع ضربة قوية على حماس والجيش سيحسم المعركة لصالحه”.
حماية إسرائيل من أعدائها ومن نفسها
بالتزامن مع كل هذا اللغط والتصريحات والتسريبات وعمليات التضليل المحتملة، يواصل نتنياهو وغالانت وقادة الجيش رفع منسوب معنويات الجنود في زيارات ميدانية متتالية للقواعد والمجمعات العسكرية في الجنوب والشمال، وسط استخدام حركات استعراضية مما يدفع للاستنتاج ربما حول مدى جاهزية الجيش الإسرائيلي وقدرته على القتال البري.
وخلال ذلك، يواصل عدد من المراقبين الإسرائيليين التحذير من مغبة دخول غزة، ومن رفع سقف الأهداف والتوقعات خاصة “تدمير حماس” رغم التدمير الهائل في القطاع، ومن عدم جاهزية الجنود لحرب برية.
وكان محلل الشؤون الدبلوماسية في القناة 13 العبرية، أيال نداف، قال في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” يوم الجمعة الماضي، إن الولايات المتحدة ودول الغرب هبّت لمؤازرة إسرائيل منذ اللحظة الأولى بعدما أدركت أنها تلقت ضربة استراتيجية، وإنها إلى جانب قوتها العسكرية فهي فاقدة للثقة بالنفس، ولذا لابد من الدفاع عنها من أعدائها ومن نفسها كي لا تتوّرط بقرارات غير منطقية، خاصة بعدما أعلن ساستها وقادتها العسكريون أن الهدف هو محو