وقعتُ تماما في الفخ ؛ بل ينبغي أن أقول "وقعنا"، لأنني لم أكن الوحيد الذي نالته المصيدة ليلة البارحة في حدود الساعة العاشرة والنصف قبل منتصف الليل؛ حينها رن هاتفي في ذلك الوقت، ملاحظا الطابع الأجنبي للرقم المنادي قبل أن اضغط على زر ألإجابة.
-" آلو"
رد علي المنادي، مُعرفا بنفسه:
-" ألو العقيد (...) معك ( فلان) من قناة (كذا)."
- " أهلا وسهلا، أي خدمة؟"
-" هل لديكم الوقت لتشاركوا معنا في نقاش خبر مستعجل ورد منذ قليل حول تطورات الوضع في النيجر. ويتعلق الأمر بطلب تقدمت به السلطات العسكرية الحاكمة تدعو فيه سفير الولايات المتحدة وسفير ألمانيا إلى مغادرة البلد في ظرف 48 ساعة، وكذلك سفير نيجيريا".
-"سمعت بالخبر منذ دقائق، أو على الأصح ما يتعلق منه بالسفير الأمريكي ونظيره الألماني. ويحيرني الأمر تماما إن كان صحيحا."
رد علي موظف القناة بأنهم يعتقدون بصحة الخبر وبأن سفير نيجيريا ضمن السفراء غير المرغوب فيهم من طرف المجلس العسكري لحماية الوطن الذي نصب نفسه خلفا للرئيس المخلوع محمد بازوم . وطلب مني أن أبقى على الخط.
بدأت الجولة الأولى مع ضيوف القناة على التوالي: استاذ جامعي من أبوجا، صحفي ومحلل سياسي من نيامي، متدخل أخر من فرنسا قبل أن يأتي دوري.
وسار كل منا في منحاه.. نحلل الخبر كل واحد من زاويته: نؤوله، نبين دوافعه، نستطلع تداعياته... وقد ركزتُ شخصيا على ما يثيره من قلق معتبرا أن طرد هؤلاء السفراء دفعة واحدة لا ينم عن نضج سياسي وحكمة جديرين بالثقة، وبأنه يشكل هروبا إلى الأمام نحو مزيد من التشدد والتعنت من طرف المجلس العسكري النيجري وقائده قد يدفعون هم والبلد ثمنه غاليا.. قائلا أنني لا استبعد أن يأتي الرد عليه عنيفا: عن طريق انقلاب عسكري جديد أو غير ذلك من ردود الفعل العنيفة.
وأظنني كنت أكثر المتدخلين استغرابا لطرد السفراء مركزا على كونه ينم عن نهج تصعيدي وانتحاري الإنقلابيون في غنى عنه، في الوقت الذي توحي جميع المؤشرات بان احتمال تدخل عسكري ضدهم أصبح مستبعدا إلى حد يسمح بحصره في مجال المناورات الإعلامية.
في الجولة الثانية انقطع الاتصال بيني مع القناة منذ اللحظات الأولى. ولستُ أدري هل واصلوا على نفس المسار أم أنهم تبينوا أننا سرنا على طريق خاطئ: ما كنا نناقاشه ليس سوى خبر كاذب، حسب بيان صدر عن وزارة الخارجية في النيجر. غير أن الخبر المذكور انتشر بسرعة على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر مصادر صحفية عالمية ذكر بعضها أن مصادر مقربة من السلطات النيجرية العليا أكدته. من الكاذب؟ الله تعالى أعلم، وأتوب إليه واستغفره.
واعتقد فيما يعني القناة، بأن هذا الحدث لم ولن يكون أول، ولا آخر، تجربة لها في التعاطي مع الإكراهات والتحديات المتعلقة بالبحث الدؤوب عن السبق الإخباري وما ينبثق عنه من مخاطر. التعامل مع الأخبار الكاذبة (fake news) تعرفه طبعا : ككل المؤسسات الإعلامية، خاصة الكبيرة منها، فلها من الوسائل والآليات ما يقيها من الوقوع في فخاخها أو يخرجها منها بأقل أضرار ممكنة.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)