يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتزم اتخاذ سياسة التشهير بالصين كجزء من "إستراتيجيته الكبرى" لحل مشاكل أمريكا الاقتصادية.
وفي حدث لجمع الأموال أقيم يوم الخميس، وصف الزعيم الأمريكي الاقتصاد الصيني بأنه "قنبلة موقوتة". وهذا وصف مثير للاهتمام. إذا تم إلقاء نظرة متمعنة على التأثير المدمر الذي أحدثته إخفاقات أمريكا الاقتصادية على العالم خلال السنوات الأخيرة، فقد يتوصل المرء إلى استنتاج مختلف تماما.
والواقع أن الولايات المتحدة ذاتها تتصارع حاليا مع تحديات اقتصادية حادة، تمثلت في خفض وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني مؤخرا لتصنيفها الائتماني. وعزت "فيتش" هذا التخفيض إلى "تآكل الحوكمة"، مقارنة بالاقتصادات الرائدة الأخرى، على مدار العقدين الماضيين.
ومع ترديدها لوجهة نظر فيتش، أشارت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) إلى أن أحد أسباب تخفيض فيتش هو غياب أي إرادة سياسية في الولايات المتحدة للتعامل مع مشاكلها الداخلية.
كلما واجهت انتقادات على الصعيدين المحلي والدولي، اتبعت الحكومة الأمريكية نمطا متكررا لتخفيف الضغوط وتحويل انتباه العامة عبر تضخيم جميع أنواع النظريات السلبية حول الصين.
كما أن سجل واشنطن في التعامل مع مشاكلها الاقتصادية لن يؤدي إلا إلى إثارة المزيد من المخاوف العالمية. من الأزمة المالية في 2008 إلى الموجة الأخيرة من إفلاس البنوك في الولايات المتحدة، يشير التاريخ إلى أن العم سام كان دائما الشرارة التي تشعل جذوة الاضطرابات الاقتصادية العالمية.
ومما لا يمكن إنكاره أن الاقتصاد الصيني يواجه حاليا ضغوطا نزولية، من بينها تحديات مثل انخفاض الصادرات والاستثمار. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، ظلت الصين تركز على حل المشاكل، بدلا من إلقاء اللوم على الآخرين. وبالفعل، طرحت بكين مجموعة من الإجراءات لإطلاق العنان لإمكاناتها السوقية، وتمكنت من الحفاظ على مسار نموها.
وطوال هذا العام، أظهر الاقتصاد الصيني باستمرار علامات على انتعاش قوي نسبيا. وفي النصف الأول من العام، توسع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 5.5 في المائة مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي. وقد انتعش الطلب المحلي تدريجيا، حيث ساهم الإنفاق الاستهلاكي بنسبة كبيرة بلغت 77.2 في المائة في النمو الاقتصادي في النصف الأول من العام، مسجلا زيادة ملحوظة قدرها 44.4 نقطة مئوية عن العام السابق.
عندما تقارن الصين بمعظم الاقتصادات المتقدمة الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، فإنها لا تظهر نموا اقتصاديا أسرع فحسب، بل تظهر أيضا تقدما كبيرا في مساهمتها في الاقتصاد العالمي. وتعترف المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالصين كقوة دافعة حيوية وراء النمو الاقتصادي العالمي.
والحقيقة أن الاقتصاد العالمي واقع حاليا في مأزق غير مسبوق. إذ في أعقاب جائحة كوفيد-19، كثيرا ما يوصم المناخ الاقتصادي العالمي بأنه يواجه انكماشا وشيكا. ويشهد العديد من البلدان تباطؤا في زخم النمو، فيما كان توسع التجارة العالمية هزيلا.
وباعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، تتحمل الولايات المتحدة والصين مسؤولية مشتركة للتكاتف من أجل تعزيز جهود التعافي العالمية.
من المؤسف أن ما تلقته الصين من الجانب الآخر من المحيط الهادئ ليس يدا متعاونة، بل هجمة من العقوبات والتدابير المتشددة التي تهدف إلى إجبار الدول الأخرى على قطع العلاقات مع الصين تحت ستار "إزالة المخاطر".
مدفوعة بسعيها للحفاظ على الهيمنة وإعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة، قوض هوس الولايات المتحدة باحتواء الصين بشكل خطير استقرار سلاسل الإمداد العالمية والشبكات الصناعية، مما يشكل تهديدا كبيرا للرفاه العام للاقتصاد العالمي.
وقالت مجلة ((الإيكونوميست)) في تقرير صدر مؤخرا إن واشنطن "تخاطر في إزالة المخاطر"، وأن ما يسمى بتدابير "إزالة المخاطر" لا تجعل "العالم أكثر أمانا، بل أكثر خطورة".
الاقتصاد العالمي أشبه بمحيط واسع ومتصل، وليس نهرا معزولا، حيث لا يمكن لأي أمة أن تزدهر بمعزل عن غيرها. فالانغماس في لعبة إلقاء اللوم والتركيز فقط على إعاقة تقدم الصين لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل التي يواجهها الاقتصاد العالمي المهتز أصلا