السنغال من البلدان الأفريقية النادرة التي لم تعرف انقلابات عسكرية عبر تاريخها السياسي، ولعل من تجليات ذلك أن الـرؤساء الثلاثة الذين تداولوا على الحكم في هذا البلد، شهدوا نهايات سياسية فريدة من نوعها، تختلف عن المصائر التي عرفها عدد كبير من قادة دول القارة السمراء.
وبغض النظر عن محصلتهم السياسية، فقد ترك حكام داكار السابقين بصمتهم في البلاد ووسموها بأفكارهم وشخصياتهم، فيما تباينت مصائرهم بشكل كبير بعد فترة الحكم، هم على التوالي ليوبولد سيدار سونغور (1960 – 1980م)، وعبدو ضيوف (1981 – 2000م)، وعبدالله واد (2000 – 2012م).
سونغور؛ أول رؤساء السنغال، قد اختار التنحي عن السلطة بمحض إرادته، وذلك قبل 3 سنوات من استكمال ولايته الرئاسية الخامسة، كان أديباً وشاعراً فذاً، وانضم إلى الأكاديمية الفرنسية في يونيو 1983م، ليصير أول أفريقي تفتح له أبواب هذه المؤسسة العريقة، وليكرس حياته حتى عام 1993م لإنتاج الأعمال الأدبية المدافعة عن حقوق السود.
فضلاً عن ذلك، تقلد سونغور أيضاً منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للفرنكوفونية، وقد كان من أبرز مؤسسيه، قبل أن يختار العيش منعزلاً في خريف حياته بفرنسا، ويفارق الحياة عام 2001م عن سن تناهز الـ95 عاماً.
وعرف عن سونغور أخذه مسافة من الحياة السياسية للسنغال بعد استقالته من منصبه على رأس البلاد، إلى جانب امتناعه عن التعليق على أسلوب إدارة سلفه عبدو ضيوف للحكم من بعده، بحسب يورو ديا، مدير مكتب الاستشارات السياسي كيس جروب، الذي أطلق على هذا الخيار "فقه سونغور".
عبدو ضيوف الذي قبل بهزيمته الانتخابية عام 2000م، في اقتراع لم يشهد أحداثاً كبرى ولا مشاحنات بين الفرقاء ومناصريهم، كان خروجه، بشهادة المجموعة الدولية، هادئاً ومشرفاً.
ولم ينتظر ضيوف طويلاً بعد فترة حكمه كي يتقلد منصب رئيس المنظمة الدولية للفرنكوفونية في 20 أكتوبر 2002م، قبل أن يعاد انتخابه في نفس هذا المنصب في مناسبتين (2006 و2010م).
ضيوف؛ البالغ من العمر 80 عاماً في الوقت الراهن، اختار أن يشارك تجربته الطويلة عبر نشر مذكراته عام 2014م، مؤلف ضمنه أهم محطات مساره السياسي، وهو الذي شغل منصب رئيس حكومة في عهد الرئيس سونغور، ويصعد إلى الرئاسة عام 1961م.
في المقابل، يبدو مصير عبدالله واد، الرئيس السنغالي الأسبق، مختلفاً عما عرفه سابقوه، وهو الذي لم يخرج من الحكم بطريقة لائقة بحسب الإعلامي إيبو فال، صاحب الصحيفة الهزلية الوحيدة بالسنغال، بعد أن شهدت نهاية ولايته السياسية أحداثاً أسفرت عن سقوط أرواح بشرية في فترة ما بعد انتخابات 2012م.
أحداث نجمت عن رغبة واد في الترشح لفترة رئاسية اعتبرها خصومه السياسيون "غير دستورية"، ولم ينتظر واد طويلاً قبل أن يلبس حلة المعارض فور خروجه من الحكم.
عبدالله واد قطع مع "فقه سونغور" وانبرى في انتقاد طريقة ماكي سال في إدارة الحكم بطريقة شرسة، ولم تمنعه سنواته الـ91 من أن يقود صف المعارضة، تماماً كما كانت الحال ما بين عامي 1974 و2000م.
رئيس دولة سابق يقتحم الحواجز الأمنية للمشاركة في مسيرة ممنوعة للمعارضة، هو أمر يستغربه يور ديا الذي يعتبر أن عبدالله واد لم يسر يوماً على الخط التقليدي في ممارسة السياسة.
ويعتبر المحلل السياسي أن معركة واد تتمثل في تحرير ابنه كريم الذي يُحاكم حالياً بتهمة "الإثراء غير المشروع وتحويل وجهة أموال عمومية".
ويختم فال بالقول: إن عدم انضمام واد إلى المؤسسات الدولية الكبرى كما سابقيه، إنما يعود إلى سنه، وكذلك إلى الجدل الذي يحوم حول ولايته الرئاسية الثالثة، دون الخوض في الشكوك الحائمة حول رغبته في توريث السلطة لابنه والفضائح المالية المرتبطة باسمه.
نقلا عن المجتمع