لم يكن برنامج الرئيس بايدن واضحا في الشرق الاوسط الا في مسألة واحدة هي عقد اتفاق نووي مع ايران وهو ما فشل في تحقيقه حتى اللحظة ولا يتوقع نجاحه ابدا مع قرب بدء العام الأخير من عمر إدارته . فيما ارتكزت استراتيجية الادارة في باقي الملفات الساخنة في المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية على ضمان بقاء الحال كما هو دون اتخاذ مبادرات كبرى لحلحلة الوضع حيث لم يتعد الجهد الامريكي الخطابات البلاغية والحلول الطارئة الانسانية لتهدئة الاوضاع في المناطق المحتلة.
مؤخرا عبرت الادارة الامريكية عن اولوية ملحة لها على صعيد السياسة الخارجية تتمثل في احداث تقدم في مسار التطبيع بين الرياض وتل ابيب ضمن صفقة كبرى بين الثلاثي امريكا/ السعودية/ واسرائيل سيكون الفلسطينيون حاضرون فيها بحكم الواقعية السياسية والرمزية الدينية والعربية والثقل الاقتصادي للدولة الكبرى في المنطقة حاملة المبادرة العربية: السعودية.. وقد ازدحم جدول الاعمال الامريكي في الشهور الفائتة بسلسلة من المناقشات والزيارات ذات المستوى الرفيع لكلا البلدين حول هذه القضية.
وبغض النظر عن تفاصيل الاتفاق الذي ما يزال طور النقاش بين الاطراف الثلاثة، فإن كل طرف يحاول تحقيق أقصى فائدة لضمان أمنه القومي ومصالحه الاستراتيجية في هذه الصفقة حيث يتوجب عليه أيضاً دفع ثمن للحصول عليها خاصة ذلك الذي يريدها بقوة وهو الطرف الاسرائيلي!
ما يهمنا في هذه الصفقة هو أحد الشروط السعودية الحازمة التي وضعت لإتمامها وهو تحقيق حل الدولتين. صحيح أن هناك تغيراً في الفكر النمطي السعودي ليكون اكثر انفتاحا على امكانية التطبيع ، لكن السعودية دولة تعي ما لها من أهمية وثقل عربي وعالمي وليس من المرجح ابدا ان تعطي هذه الجائزة لإدارة بايدن ونتنياهو دون ثمن له وزن اقليمي وعالمي. لا سيّما مع شكوكها المريرة من ادارة بايدن الذي وعد بجعلها منبوذة في بداية حكمه، وتجاهلها مركّزا على تحقيق اتفاق نووي مع عدوتها التقليدية ايران. أيضاً لديها شك في نتنياهو وحكومته المتطرفة التي تطالب بحرق الفلسطينيين.
فهل من الممكن تحقيق الشرط السعودي/ الفلسطيني؟
اختلف مع البعض الذي يرى أن المعضلة والمبالغة تقع في الشروط السعودية الاخرى المتعلقة بأمنها القومي. الرياض تطالب واشنطن بضمانات امنية تشبه تلك التي تربط دول حلف الناتو، وبإمكانية الحصول على أنظمة الأسلحة المتطورة الأميركية، وكذلك الموافقة على امتلاك تكنولوجيا نووية مدنية. بل أعتقد أن امريكا ستعمل بكل جهدها ومواردها لإجراء عملية عصف فكري لكل الشروط السعودية للوصول الى توافق بين الاطراف الثلاثة.
وبرأيي أن مسألة حل الدولتين هي الاصعب والأكثر استبعادا للحدوث . والأمر مفهوم وواضح للجميع لماذا لن يحدث من جهة اسرائيل العنصرية وحكومتها المتطرفة التي لا تؤمن بوجود الفلسطينيين أصلا. أما لماذا لن تضغط امريكا على اسرائيل للشروع في مسار حل الدولتين ففيها وجهة نظر: الولايات المتحدة سبق أن انخرطت /منذ أعوام/ بجهد كبير في مسار هذا الحل لضمان شيئين :
الاول : امن اسرائيل حيث كانت عملية السلام ومسألة حل الدولتين تندرج ضمن مصالح الامن القومي الامريكي في الشرق الاوسط من خلال ضمان امن وديمقراطية اسرائيل. وفي أساس الفكر الأمريكي فإن إعطاء دولة للفلسطينيين من شأنها القضاء على الصراع المسلح بين الفلسطينيين والاسرائيليين من جهة، وتأكيد ديمقراطية اسرائيل أمام الغرب والعالم من جهة ثانية، فمن غير المعقول أن دولة تدّعي انها ديمقراطية وفي نفس الوقت تحتل أرض ليست لها وتهجر شعبها. كذلك الحفاظ على استقرار المنطقة من جهة ثالثة وجميعهم يصبون في بوتقة الامن القومي الامريكي والمصالح الاستراتيجية.
الثاني : المحافظة على توازن تحالفاتها مع العرب والاسرائيليين معاً حين كانت مصالحهم متناقضة. الأمر الذي ترتب عليه بذل جهد وبحث حل للقضية الفلسطينية وكان بالفعل عبر مسار السلام وإطلاق حل الدولتين .
أما اليوم فبعد اختفاء التهديدات لاسرائيل، والتقارب الاسرائيلي/ العربي الذي جاء بعيداً عن جهد امريكي فعلي، إنما في اطار تغيرات جيوسياسية في المنطقة ابرزها التهديد الايراني والانسحاب الامريكي ونتاج فوضى الربيع العربي وحين شعرت اسرائيل أن تجاوز الفلسطينيين هو امر قابل للحدوث. اتجه الفكر الامريكي للاعتقاد بأن بذل الجهود والموارد لعملية سلام والضغط على اسرائيل من أجل حل الدولتين لم يعد له ذلك الزخم الاستراتيجي كما كان سابقا .. لذا نتطلع للسعودية الدولة الكبرى لأن تبقى متمسكة برأيها الحازم في مسألة حل الدولتين كشرط للتطبيع..