الدبلوماسية السعودية والواقعية السياسية / د. ناجي صادق شراب

سبت, 08/05/2023 - 09:32

تطورات ملحوظة طرأت على السياسة السعودية تواكب وتتوافق مع دورها ومكانتها الإقليمية والدولية، فالعلاقة وثيقة بين دور الدولة وبين ما هية السياسة التي تتبناها، فلا يمكن لدولة ان تتطلع لدور أكبر في سياق سياسة وأيدولوجية ذاتية منكفية في إطار حدودها الجغرافية،ومن ناحية ثانية هذا الدور لا يعمل في في فراغ سياسي إقليمي ودولي، بل هناك الكثير من الدول والفواعل التي تتمدد أدوراها الإقليمية والدولية .

ومن ناحية ثالثة السعودية تقع في قلب أهم المناطق الإستراتيجية في العالم وهي المنطقة ألأكثر إستهدافا من قبل القوى الإقليمية الصاعدة والقوى الكبرى ، ورأينا الصراع بين الولايات المتحده والإتحاد السوفيتي في فترة الحرب الباردة. واليوم الصعود الإيراني والطموح الصيني والروسي للمنطقة وفي ضوء التراجع والإنحسار في السياسة الأميركية ، تصبح السيناريوهات والمقاربات محدودة امام دول المنطقة وبالنسبة لدور محورية وقيادية كالسعودية.

واما التبعية والإحتواء من قبل القوى الأخرى لتملأ فراغات القوة وإما تبني سياسة أكثر واقعية وبرجماتية تقوم على تنمية القوة المحلية وبناء تحالف اقليمي من منطلق مصالح دول المنطقة ويتعامل مع القوى الأخرى من سياق سياسات أكثر واقعية، وتقوم على مراعاة المصالح المشتركة والمتبادلة.

ولعل مما ساعد على هذه السياسة الواقعية دور القيادة السياسية السعودية والتي تجسده رؤوية وسياسة ولي العهد محمد بن سلمان والتي من أبرز معالمها ومظاهرها الحيوية والفعالية وأساسها تبني سياسة أكثر واقعية وأكثر مرونة. فالسعودية اليوم تشهد مرحلة تحول كبرى في بناء الدولة وأساسها وماهيتها ورؤيتها الأكثر إنفتاحا وواقعية وتكيفا وإستجابة، والتخلي عن كثير من تصلبات المواقف السابقة. وهذه الواقعية نرى صورها في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. أولها إعادة تقنيين العلاقات الدولية للسعودية على أسس من الندية والمصالح المشتركة وبعيدا عن سياسات التبعية الإستراتيجية التي سادت في العلاقات مع الولايات المتحدة، وهذه السياسة لا تعني التخلي عن العلاقات الإستراتيجية والتحالفية بقدر إعادة صياغتها على أسس واقعية ومراعاة ان لكل دولة مصالحها ورؤاها السياسة. ثانيا: تنويع العلاقات والشراكات الإستراتجية مع القوى الصاعدة عالميا كالصين وروسيا، ولم تعد الأيدولوجية تقف حائطا امام مثل هذه العلاقات، وإنما تحكمها تحولات القوى الدولية والدور الذي تلعبه الصين وروسيا ، وتحكمه المصالح الاقتصادية والتجارية ودعم تأثير القرارات السعودية في العلاقات مع الولايات المتحدة وغيرها.

وثالثا: في الحفاظ على العلاقات التقليدية مع دول الإتحاد الأوروبي، وتوسيع شبكة العلاقات الإستراتيجية مع الكثير من الدول . ومن مظاهر هذه الواقعية في الدبلوماسية السعودية الموقف من قضايا دول المنطقة ومسألة المصالحة الخليجية وإستئناف العلاقات مع قطر. وعربيا لعل أبرز ملامح هذه الواقعية في التعامل مع القضية السورية الشائكة والمعقدة والعمل على تبني مقاربة عودة سوريا عربيا. ومن أبرز ملاح الدبلوماسية الواقعية الاتفاق السعودي الإيراني والذي يشكل تحولا بارزا في العلاقات بين البلدين من واقع الإعتراف بتحولات القوى ومصالح كل من البلدين، والواقعية في عدم جدوى الإستمرار في الحرب في اليمن ,مراعاة أن لكل دولة مصالحها ونفوذها. وكما قال الخبير في السياسة الخارجية السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم: إن الاتفاق مع إيران على وجه الخصوص يمثل تغييرا جذريا في نهجها السياسي، ويشير إلى نضج وفهم أكثر واقعية للسياسات الإقليمية. وتؤدي هذه الواقعية الى تقليل الخلافات الإقليمية التي تستنفد إمكانات وقدرات الدول ذاتها ،والتركيز على الإصلاحات الاقتصادية والإجتماعية في الداخل وتحقيق رؤية 2030.

وكما قالت الباحثة آنا جاكوبس من مجموعة الأزمات الدولية : إن خفض التوتر مع إيران طريقة ذكية لخفض التوترات في جميع أنحاء المنطقة ، وتخفيض حدة بعض المعارك بالوكالة التي تحيط بالسعودية. وكما أشار أحد المسؤولين السعوديين: رؤيتنا هي شرق أوسط مزدهر، لأنه بدون أن يتطور منطقك ورؤيتك، هناك حدود لما يمكنك تحقيقه. ومن أبرز القضايا التي تعاملت وتتعامل معها الدبلوماسية السعودية بواقعية ، قضية السلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فالسعودية لا تعارض السلام ولا تعارض التطبيع ،ولم تمانع قيام دول المنطقة بتبني هذا الخيار الواقعي ولكنها من واقعية هذه الدبلوماسية توكد أهمية الربط بين السلام الشامل والتسوية النهائية بقيام الدولة الفلسطينية . فالسلام لا بد أن يكون له قوة وثمن.

ان لهذا الإنتقال والتحول للسياسة الواقعية ارتباط بعوامل كثيرة أهمها التحول في مفهوم الدولة السعودية الجديدة وتبني سياسات أكثر تنويرية وحداثة ورؤية القيادة السياسية الجديدة، والتحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية ، ففي النهاية الدبلوماسية السعودية محصلة تفاعلات داخلية وإقليمية ودولية وبقدر هذه الواقعية بقدر الحفاظ على دور متوازن ومؤثر يحافظ على مصالح الدولة العليا.

drnagishurrab@gmail.com

الفيديو

تابعونا على الفيس