يوحي مفهوم علم السياسة حسب الكثيرين بالمعاني الإيجابية ، لأن الأمور التي غالبًا ما تعالج بطريقة سياسية تترك الإنطباع أن التسوية المعتمدة في الوصول إلي الحلول تتم وفق منهج الهدوء و الكياسة و الحكمة و الديبلوماسية و هو أسلوب لا يختلف إثنان على أهميته و فاعليته في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسين.
و مع ذلك فإن معني و مفهوم هذا المصطلح لا يزال يثير الكثير من الإشكالات لدي الغالبية العظمي من عامة الناس و خاصة جمهور الباحثين من علماء السياسة الذين لا يزالون مختلفين اختلافًا بينًا حول تعريفها كعلم و حول نوع و طبيعة الموضوعات التي يمكن إدراجها ضمن مجالاتها البحثية . و مهما يكن من أمر فإن كلمة سياسة تبقي مرادفة للسلطة و إدارة شؤون الحكم .
في هذا السياق، يري العالم الأمريكي( David Easton) : أن السياسة بالمجمل تشمل كافة الأنشطة التي تتجلي من خلالها سلطة الدولة المتمثلة في مجموع القيم التي تحددها و تفرضها حيث تحظي بقبول واسع في المجتمع و يتم التعامل معها بإعتبارها ملزمة للجميع .و هو ما يتناسب في الأصل مع فعل القيادة و الغرض منه من منظور إسلامي و هو توجيه الناس أخلاقيًا و تهذيب أطباعهم . ذلك أن الملك السياسي الذي يرمز له إبن خلدون بسلطان الدولة هو حمل الكافة علي مقتضي النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية و دفع المضار .
و هذا الطرح يؤكد الصلة القوية بين الدولة و الملك و العمران ( أي الإجتماع) الذي لا يمكن إنفكاك أحدهما عن الأخر لما في طباع البشر من العدوان الداعي إلي الوازع .
و أيًا كانت الدوافع و الأسس التي تنبني عليها أنظمة الحكم في مجال تسيير الدول و تقنين العلاقات بين الحاكم و المحكوم ، فإن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني قد أختار التركيز في سلم بناء الدولة الموريتانية علي رأب الصدع الحاصل بين السلطة و المجتمع من خلال إطلاق الإصلاحات الجذرية في مجال التنمية البشرية و المشاركة السياسية الفاعلة في تدبير الشأن العام و المساواة في الحقوق و تكافأ الفرص بين جميع المواطنين إضافة إلي تقوية المؤسسات من أجل الإضطلاع بدورها في تصميم السياسات و سن النظم و القوانين الضرورية للتطوير و وضعها موضع التنفيذ في مسعي واضح من الرجل لإستعادة الثقة المنشودةبين نظام الحكم و الشعب. و يعتبر القانون الأخير المنظم للإنتخابات التشريعية و الجهوية و البلدية خير دليل علي ذلك .
لقد أفرزت نتائج هذه الإستحقاقات واقعًا سياسيًا جديدًا جدير بالسلطات العليًا بالبلد أخذه بعين الإعتبار و التأقلم معه . فالشرعية الدستورية في ظل النظام الرئاسي تعطي لرئيس الجمهورية كامل الصلاحيات و السلطة التقديرية في إختيار الأعوان أو الإستغناء عنهم بناء علي تقييم أدائهم الفني و السياسي و مستوي خدمتهم للبلاد.
لذلك لا إكراه في السياسة لأن الوطن يتسع للجميع و من زرع حصد .
فكل يعمل علي شاكلته و قد خاب من أفتري.
بقلم: د. محمد الراظي بن صدقن