شنت القوات الإسرائيلية بمركباتها الأمنية المختلفة من مشاة وطيارين ووحدات خاصة وهندسية ومخابرات وقناصين وجيش ترافقهم مدرعات ودبابات وشاحنات وسيارات مصفحة، والمقدرة بألفي عنصر أمني، مستعينة بالقوات الجوية الإسرائيلية من مسيرات وطائرات إف 16 ، عدوانا سافرا جديدا على الشعب الفلسطيني، وهذه المرة كان على مدينة جنين، وتحديدا على مخيمه البالغ مساحته كيلو متر واحد فقط، حيث حشد الجيش الإسرائيلي حوالي ألفي جندي من مختلف الوحدات المختارة، من أجل تصفية رجال المقاومة الفلسطينية على أرضه، البالغ عددهم تسعة عشر فردا، لم يقبض على أحد منهم ولم يقتل واحدا منهم وفق بيانات إسرائيلية. ومن تم قتله كان مدنيا هب للدفاع عن مدينته ومخيمه.
عدوان عسكري إسرائيلي ضخم مغامرعلى مخيم مساحته كيلو متر واحد ومقاومين مسلحين بأسلحة رشاشة , قديمة بل قديمة جدا، لطلب واحد يتمثل في استعادة وترميم ردع الجيش الإسرائيلي المفقود، وكأنهم نسوا التاريخ الحديث في نفس المكان، فحشدوا له هذه الألوف المالفة بكل ملحقاتها، لتصفي أو كما يقولون تعتقل تسعة عشر شخصا. جيش يوصف بأقوى جيوش العالم يقوم بهذا العمل الهزيل استراتيجيا، فيحشد كل هذه الطاقات للقبض او تصفية نفر محدود من الفلسطينيين. وغدا سيقوم بعمل مشابه في منطقة اخرى في فلسطين الجريحة. شجاعة مزعومة جعلت هذا الجيش الذي صنعت هالات حوله يحشد كل تلك الطاقات، وعلى رقعة أرض مساحتها كيلو متر مربع واحد. شجاعة مزعومة تمثلت في تخريب الشوارع وجرفها وحرق السيارات وتدميرها وقتل الأطفال، ويقال لك بعدها أن القوات المعتدية لا تود المساس بالمدنيين الأبرياء. حسنا، فماذا كانت النتيجة، مقتل أبرياء أطفال، الكشف عن قنابل لنفترضها بالعشرات، قاذف صاروخي قديم في اكتشاف مذهل، اكتشاف تحت الأرض ممرات وسراديب ومصنع للقذائف على ما يزعمون. فهل كل ذلك إن صدقوا، يستأهل عملية عسكرية لا إنسانية أفردت لها هذه الضجة، وانتقل إليها نتنياهو ووزير أمنه ورئيس أركانه وقائد المنطقة الوسطى وقوادا مختارين من الجيش الإسرائيلي وملحقاته محاطا بجمع حاقد من الصحفيين ملأت عيونهم العمى الصهيوني. ارحموا عقولنا ودعوكم من إنجازاتكم المزورة. توقفوا عن مهاجمة الفلسطينيين الأبرياء فهم عصيون على الفناء وتعلموا من التاريخ ومن تجاربكم معه قبل أن يكون متأخرا. أفيقوا من ترهاتكم فهنا يقبع شعب عمره آلاف السنين صاحب حق ابدي في هذه الأرض.
أي محلل عاقل موضوعي بغض النظر عن جنسيته، سيسأل نفسه عن الهدف من وراء هذا العدوان الإسرائيلي على مدينة مسالمة ومدنيين مسالمين في سلسلة اعتداءات، مهما قيل في وصفهم ونعتهم. لا تسل عن عدد الإعتداءات التي شنها الجيش الإسرائيلي طيلة خمسة وسبعين عاما ونيف، فهي تنبو عن التعداد. وهذا الأعتداء الأخير سيدخل موسوعة جينيس من حيث عددها الذي لا يحصى. وسيفهم كل المحللين الإسرائيليين الذين يملكون ذرة من العقلانية ، بل هم فهموا أن هذا عدوانا لا طائل تحته. ولن يحقق اي هدف مما يقال وتردده أجهزة إعلام عنصرية حاقدة، لا تفهم جزءا يسيرا من الموضوعية. بل ليذكر احدهم ما هي إنجازات كل الإعتداءات السابقة وما هي نتيجة الإعتداءات العسكرية اللاحقة. هل توقف أي عمل مقاوم نتيجة هذه الإعتداءات، وهل توقف الشعب الفلسطيني عن التضحية والمقاومة في وجه غزوة كولونيالية احتلالية عنصرية. هل هناك أمل عند الإسرائيليين أن يتوقف هذا الشعب عن المقاومة، أو أنه سيذوب وسيفنى وينتهي من الوجود؟! لم يثبت تاريخيا ان العدوان ينهي شعبا وإنما يؤججه، تعلموا واتعظوا. إلى متى سيبقى الإسرائيليون ماضون في غيهم وضلالهم ودمويتهم، متى سيتوقف نزيف الدم هذا، وهل هناك من عاقل وحكيم في الجانب الإسرائيلي يقف ويصيح ويدعو لوقف هذا الدم المهدور من الجانبين، وإن كان الجانب الفلسطيني يعاني أكثر.
غريب أمر الإسرائيليين المعتدين، لا يتعلمون من التاريخ، لا يتعظون من الحوادث المتكررة، حيث ثبت بشكل قاطع أن القوة العسكرية والعدوان ليس ضمانا بوجود سلم وأمن للشعوب. يبدو لي أنهم يعانون من فائض القوة عند الإسرائيليين، ومن فائض الضعف عند الأجهزة الرسمية العربية والإسلامية والفلسطينية، ومن فائض التعاطف من المجتمع الدولي الغربي، ومن فائض اللامبالاة في مجتمعات أسيوية وإفريقية وأمريكية وحتى عربية . بل ينعمون وينغمسون في ملذات الثرثرات والأدبيات الصحفية والإعلامية والأكاديمية من وسائل الإعلام والتلفزة والصحافة ووسائل التواصل الإجتماعي، رغم أنهم بدأوا يستفيقون على كوابيس في هذا المضمار.
حتى المؤسسات الدولية التي قيض لها أن تكون رديفة للحق الفلسطيني والعدالة الفلسطينية، كانت رهنا للدول الغربية أو كانت مشلولة عن اتخاذ اي إجراء إنساني أو عادل. فالأمم المتحدة تتخذ القرار تلو القرار لكنها تعجز عن اتخاذ قرار يتيم بخصوص الإبنة المدللة الإسرائيلية مرفق بالفصل السابع من ميثاقها الخاص بالجزاءات الدولية كما فعلوا بالعراق حينما غزت الكويت. ويا للاسف قبلها كانت عصبة الأمم التي ضمنت صك الإنتداب البريطاني على فلسطين نص وعد بلفور بإنشاء دولة صهيونية في فلسطين.
وحينما تأملنا خيرا بالمحكمة الجنائية الدولية وميثاق روما رغم هزليته وضعفه وبطئه، خرج علينا مدعي عام لها يسمى كريم خان حين قرر بقدرة قادر دفن الملف الفلسطيني رغم جهوزيته، وابرز بل اختلق ملف أوكرانيا وقدمه للمحكمة الجنائية طمعا في رضاء اسياده.
وهذا ينطبق على قرارات مجلس حقوق الإنسان، ومجلس الأمن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة، واليونسكو، ومحكمة العدل الدولية، والصليب الأحمر الدولي، وموقعي اتفاقيات جنيف الأربع.
وقد يقال أن هذا مبالغة في الوصف، أو ياس من الواقع المرير، أو إلقاء التهم على الآخرين، لكنه أمر حقيقي إذا نظرنا لما يجري في النزاع الروسي والأوكراني. وكيف تسخر الأمور لخدمة الأوكرانيين في كل القطاعات.
دوام الحال من المحال، فليس هناك شعب مختار ولو تخيل أحدهم ذلك، ولن يعاني شعب طيلة الزمان ولو طاله العدوان والظلم، ولن تتوقف حلقة العنف عن إفراز العنف، ولن يقدم العدوان حلا لقضايا الشعوب، ولنا في تاريخ الشعوب شرقا وغربا ، جنوبا وشمالا، عبرة لمن يعتبر!!!