تنعدم ثقة الموريتاني في جهازه الطبي إلي درجة أنه أصبح " ينجو" بنفسه وبمرضاه إلي الخارج ، ولم يعد الأمر مسألة ترف لدي ميسوري الحال بل هو ظاهرة مقلقة عمت جميع فئات المجتمع، وتنم عن أزمة ثقة تثير الكثير من التساؤل: هل هو قصور الأطباء وجهلهم، ونقص الخبرة لديهم؟، أم أنه المستورد الناقص المسئولية الأخلاقية تجاه الوطن و المواطن؟ أم هي الرقابة الغائبة عن دورها في حماية المواطن من جشع التاجر؟
أطباء جيدون وأدوية فاسدة
بغض النظر عن فوضي القطاع الصحي، وانعدام المسؤولية الذي يلاحظ هنا وهناك، فإنه من دون شك لموريتانيا كادر طبي يتفاوت في الجودة كما هي الحال في بلدان العالم. وهناك أساتذة وأطباء مشهود لهم بالكفاءة، وعموما يبدي الطبيب الموريتاني مهارة كبيرة في التأقلم مع الظروف العلمية المتواضعة التي يوضع فيها. ولا تقل بعض التجهيزات الطبية الموجودة في البلد أهمية عن المتوفر منها في دول يهرب إليها الموريتانيون للعلاج.
ويستغرب الدكتور محمد ولد وداداي ألا يثق الموريتاني في الكادر الطبي الوطني وفي التجهيزات الموجودة في المستشفيات العمومية: " بالرغم من المعدات التي جهزت بها المستشفيات منذ ما يناهز العامين"، بالإضافة إلى نجاحنا في علاج الحالات المرضية التي تدفعهم مثيلاتها للسفر إلى الخارج".
ويضيف:" الإشكالية لا تكمن في تشخيص المرض ووصف الدواء، و إنما تكمن في الدواء المتوفر في السوق الموريتانية ، لكونه لا يمر بالمختبرات، و لا يخضع لمعايير الجودة بل يتم التعامل معه علي شكل سلعة تجارية الهدف الأول والأخير منها الربح ". وينتقد الدكتور ودادي ظروف التخزين قئلا : " تجد داخل الصيدلية بالإضافة إلى الأدوية قطع غيار السيارات وأدوات البناء، و المواد الغذائية مرصوصة إلى جانب الأدوية و أقول هذا الكلام بدون مبالغة " ويشير الجراح م . س . وهو من مستشفي الشيخ زايد إلي جرأة بعض الجراحين الموريتانيين علي إجراء عمليات ليسوا مهيئين لها " منها الجراحات الصدرية التي يتجرأ الطبيب علي إجرائها لإنقاذ مريض قد يقتله أحيانا، وهذا يجعل كثيرين يذهبون إلي الخارج لعدم ثقتهم في مهارة الجراح الموريتاني ".
ويتحدث ع. ن. وهو طبيب متدرب في مستشفي زايد أيضا عن فساد بعض الأطباء الذين " يتعاملون مع المهنة وسيلة لجمع المال علي حساب حياة البشر".
ويثير ش خ طبيب متدرب آخر ما يصفه ب " تعامل صيدليات مع ثلة من الأطباء الذين لا يولون أهمية لحياة الإنسان؛ وتعامل أطباء يلهثون وراء المال مع صيدليات معروفة بالغش وبتزوير الأدوية".
مختبر متطور لا يحلل الأدوية:
يجمع مختصون علي أن نسبة تناهز 40% من الأدوية المعروضة في الأسواق مغشوشة أو مزورة . ولا يعود ذلك إلي انعدام المختبرات القادرة علي تمييز الجيد من الفاسد كما يقول مدير المختبر الوطني لمراقبة جودة الأدوية الدكتور الشيخ ولد بتار، فالمختبر " يضم أرقي الأجهزة، وبه كادر قوي يتألف من صيادلة وفنيين، ومهندسين كيميائيين". وقال إن المختبر مقارنة بمحتبرات في المنطقة يعتبر الأرقي مشيرا إلي شهادة خبراء سنغاليين زاروا المختبر وقارنوا بين أدائه وأداء مختبراتهم.
فما المشكل إذن؟ يقول ولد بتار إن المختبر يحلل أدوية ترسل إليه من "المركزية الوطنية لشراء الأدوية" وهي بين القطاعين العام والخاص و" جميع الأدوية التي وصلتنا منها هي أدوية تخضع لمعايير الجودة" .
وأشار المدير إلي أن هناك موردين يزيد عددهم عن ال 16 ولا يخضعون للرقابة، وقال إنه " من المفترض أن تمر كل الأدوية المستوردة بالمختبر قبل توزيعها لحماية المواطن من خطر الأدوية الفاسدة. وهذا مالا يحدث الآن".
ولعل الأخطر في الموضوع أن الإذن بالاستيراد يتم بين إدارة الصيدلة والموردين من دون تدخل من المختبر وإذن الدخول يتم من دونه أيضا كما وضح ولد بتار. ويعتقد ولد بتار أن التنسيق بين مصالح وزارة الصحة ضعيف. وقد اتصلت " مورينيوز" بإدارة الصيدلة لاستطلاع رأيها ولم تفلح لأن " المدير غائب في سفر".
الموردون: لسنا مذنبين
ويرفض ملاك الصيدليات المسؤولية فهم يشترون من " موزعين مرخص لهم بالعمل، ونخضع لتفتيش إدارة الصيدلة والمختبرات".كما قال محمد عبد الوهاب ولد محمد الأمين صاحب صيدلية" الحكمة " قرب المستشفى الوطني .
ويقول عابدين ولد باب احمد الامين العام لاتحادية المستثمرين في قطاع الصيدلة إن العلاقة بينهم ووزارة الصحة محصورة في إدارة الصيدلة والمختبرات والمفتشية العامة للصحة " مشيرا إلي أن المختبر الوطني غير طرف في هذه العلاقة، "بل يقتصر تدخله علي رقابة الادوية المشبوهة وتحليلها والتأكد من جودتها". وقال إن "اتحاديتنا تستورد الادوية من أرقي المختبرات وهي غير مثيرة للشك وتخضع كل صفقة نجريها للرقابة" . وأضاف: " إننا نتلف الادوية المنتهية الصلاحية قبل شهر من الموعد بالنسبة ألي المواد السائلة وشهرين بالنسبة إلي الاخري تحت اشراف إدارة الصيدلة".
وأعاد الامين العام انتشار الأدوية الفاسدة ألي " وجود صيدليات غير مرخصة تشتري الادوية مع السلع العادية وتشحنها معها وتخزنها معها".
ولم ينف الدكتور الصيدلاني الشيخ أحمدو ولد أحمدو المسؤول الفني لمجموعة "شنقيط فارما" للصيدلة وجود أدوية فاسدة في السوق: "هناك سوق سوداء نشطة توجد أدويتها علي رفوف الصيدليات جنبا إلي جنب مع أدويتنا وهذا ما خلق الإلتباس".
وأضاف ولد أحمدو أن مجموعته تستورد الأدوية من أرقي المختبرات في اوربا وخصوصا فرنسا وأنها عالية الجودة وتحفظ في الظروف المطلوبة "
آراء متضاربة سلطت الضوء علي وضعية خطرة. ويبقي السؤال: متي تضع السلطات حدا للتلاعب بأرواح الموريتانيين؟ وهل هي قادرة؟.
نقلا عن مورينيوز