حقنا التاريخي في فلسطين قرار إلهيّ؛ ليس بدعة ولا منّة من أحد!

خميس, 05/04/2023 - 06:56

عزيز محمود العصا
إن المتابع لخطب أمين المنبر الشيخ د. عكرمة صبري، يجدها متعددة الأبعاد؛ تتناول شؤون الأمة والوطن، وتتدرج من العام إلى الخاص، ومن الماضي إلى الحاضر، بما فيه من هموم المجتمع المحلي الفلسطيني و/أو الأمة على مدى أوسع، والتلميح إلى المستقبل، بما يحمل من آمال وآلام.

وعليه، جاءت الجمعة الأخيرة (اليتيمة) من شهر رمضان لهذا العام (1444هـ/2023م)، لتتضمن ثلاثة محاور رئيسة، حددها الخطيب –صبري- بالآتي: العمق الاستراتيجي للفلسطينيين، والديانة الإبراهيمية واضراب المعلمين.

من منطلق المسؤولية الملقاة على منبر المسجد الأقصى المبارك تجاه المسلمين أينما كانوا على وجه البسيطة، ومن منطلق عبء الأمانة الملقاة على الخطيب الذي يعتلي هذا المنبر، تحدث الخطيب في كل محور منها، وفق رؤيا الدين القويم التي يدركها الخطيب، وهو المفتي الأسبق للقدس والديار الفلسطينية، ورئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس.

بعد هذه الخطبة مباشرة، تناول أخ كريم الخطبة، محتجًّا على البعد التاريخي كما ورد في الخطبة، معتبرًا أن "الحق التاريخي في فلسطين بدعة". في حين أن خطيب الجمعة لم يقتصر في خطبته على البعد التاريخي فحسب، وإنما تعرض إلى الجانبيْن العقدي والفقهي أيضًا، مستندًا إلى الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة.

وحيث إنني وجدتُ محتوى الحديث يستحق التوقف عنده بالقراءة والتحليل، في ظل صراعنا مع الاحتلال على هذه الأرض المباركة الطيبة الطاهرة، أعدتُ الاستماع إلى الخطبة، فتبيّن أن البعد التاريخي قد اشتمل على معلومات وبيانات وبيّنات تسلسل فيها الخطيب، بدءًا بما رواه الصحابيّ الجليل أبو ذكر الغفاري رضي الله عنه، بقوله: سألتُ رسول الله صل الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض قال: المسجد الحرام. قال: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلتُ: كم بينهما؟ قال: أربعون عامًا. فاستطرد الخطيب –صبري- وفق الآتي:
 نحن كمسلمين لنا عمقنا الاستراتيجي عبر التاريخ، فالشعب الفلسطيني هو جزء من الشعب العربي، والشعب العربي هو جزء من الامة الإسلامية الكريمة.

 نقول للمأفون الموتور الحاقد: إن زعمك بأن الشعب الفلسطيني لا يُعرف إلا من مائة عام فقط، هو زعم ضال ومضل؛ إذ أن العرب في فلسطين لهم تاريخ يمتد إلى ما قبل (7500) عام قبل الميلاد والذين هم الكنعانيون، حتى إن التوراة ذكرت أرض كنعان في عدة مناسبات للدلالة أن الكنعانيين موجودون، وهم أقدم شعوب العالم في فلسطين.

 حينما جاء الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مدينة القدس 15ه/636م فإنه قد تسلم مفاتيحها من صفرونيوس بطريك الروم؛ أي أن المسلمين قد تسلموا هذه المدينة صلحًا من الروم فقط وليس من غيرهم، وأصدر سيدنا عمر رضي الله عه وقتئذ العهدة العمرية والتي حافظ فيها على كنائس النصارى، لأن ديننا الإسلامي العظيم يحافظ على أماكن العبادة لغير المسلمين، فلو كانت كنسًا لليهود وقتئذ لحافظ عليها، فلم يجد عمر آثارًا إلا الآثار المتعلقة بالمسيحيين فقط.

 لذا، فإن أهل فلسطين متجذرون في الأرض المقدسة المباركة، وأن الآثار الإسلامية الزاخرة المتعددة لا تزال قائمة، وتؤكد على ذلك، من العهدة العمرية وحتى يومنا هذا.

 ثم إن مرابطتنا في أرضنا، هو بقرار رباني إلهي من سبع سماوات، وذلك في معجزة الاسراء والمعراج، فكان المسجد الاقصى هو المحور لهذه المعجزة.

 فالمسجد الأقصى يمثل جزءًا من عقيدتنا، وإن الدفاع عنه هو دفاع عن العقيدة.
 وعليه، فإن ارتباطنا في هذه البلاد هو ارتباط عقيدة وإيمان، بقرار الله سبحانه وتعالى، وليس بقرار من هيئة الأمم ولا بقرار من مجلس الأمن. مع التأكيد على أن القدس ليست لأهل فلسطين وحدهم، بل هي لجميع المسلمين في أرجاء المعمورة، ويقول عليه الصلاة والسلام: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى. وفي رواية: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا.

 نعود لهذا المأفون المغرور، الذي نترفع عن ذكر اسمه، الذي يزوّر التاريخ، لنقول له: من كان بيته من الزجاج فلا يقذف الآخرين بالحجارة، ثم نقول له: هل وجدتم لكم آثارًا في مدينة القدس، خلال الحفريات الواسعة؟ أما آثارنا نحن، فهي بصمات واضحة للعالم أجمع وتنطق بوجودنا عبر السنين والأيام.

رأينا،
بعد الاستماع المتمعّن، والإصغاء الجيد، والتحليل الموضوعي للبعد التاريخي لهذه الخطبة، نجد أن خطيب الجمعة سماحة الشيخ د. عكرمة صبري قد أشار إلى البعد التاريخي، في معرض ردّه على المزاعم بأن الشعب الفلسطيني لا يعرف إلا من مائة عام. وبهذا، بثّ رسائل مباشرة للاحتلال، وقياداته، الذين يتبجحون بإنكار العمق التاريخي للشعب الفلسطيني على هذه الأرض، بأن حقنا التاريخي في فلسطين جاء بقرار إلهي، وليس بدعة أو من منّة من أحد.

كما أننا نجد أنفسنا في مواجهة مباشرة أمام الأسئلة/التساؤلات الآتية:

هل هناك ما يضير في القول بأن أجدادنا من الكنعانيين هم من أوجدنا على هذه الأرض، قبل أن نكون مسلمين؟

وهل هناك ما يضير في الاستشهاد بقوله تعالى: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (آل عمران: 67)، عند الإشارة إلى عمقنا الديني والتاريخي الممتد لآلاف السنين قبل رسالة الإسلام التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟

وهل هناك من تناقض لدى من يبحث في الحق التاريخي للأمة قبل التوقيت الهجري الذي اعتمده الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

تبقى تلك الأسئلة برسم الإجابة، إلى أن نتيقَّن بأننا في لحظة نحن بأمس الحاجة فيها إلى وحدة الكلمة، ووحدة الرأي الصائب المستند إلى العقيدة والفقه

الفيديو

تابعونا على الفيس