في الثامن والعشرين من الشهر الجاري ستنطلق بشكل رسمي حملة انتخابية على عموم التراب الوطني؛ وكما هي العادة في هذا النوع من المواسم السياسية، فمن المتوقع أن تشهد صراعات قوية بين المتنافسين على المجالس البلدية وعلى المجالس الجهوية وعلى المقاعد النيابية. بل إننا نعتقد أن المنافسة سوف تتخذ هذه المرة وتيرة أشد من سابقاتها، لأن هذه الانتخابات التي نحن على أبوابها هي الأكثر انفتاحا، منذ استقلال البلاد، من حيث موازين القوى وتساوي الفرص بين المترشحين.
ورغم ذلك، فإننا نخشى ألا يكون الخطاب السياسي على مستوى التحديات العظيمة المطروحة للوطن. فخوفنا يكمن في أن تطفو على المواضيع والمسائل الأساسية المناورات "السياسوية" والانتقامية: ليس فقط القبلية، والجهوية والشرائحية، وإنما أيضا الحسابات الضيقة "للمغاضبين" الذين انشقوا لسبب أو لآخر عن أحزاب أو هيئات سياسية كان ولاؤهم لها من قبلُ.
وخلافا لاعتقاد سائد، فهذه الفئة الأخيرة، ممنْ انقلبتْ وجهتهم إلى منحى آخر، لا ينجو منها حزب ولا هيئة سياسية. صحيح أننا بفعل قانون التناسب في علم الرياضيات، نلقاها أكثر في الأحزاب الأبرز من حيث الحجم : الأعداد الكبيرة لأطرها واتساع قاعدتها ومنتسبيها تعرضها للتغيرات أكثر من غيرها. مما جعل الأنظار تنصب في هذه النقطة بالذات بشكل رئيسي صوب أحزاب وطنية بعينها، مثل: حزب "الإنصاف" وبدرجة أدنى حزب "تواصل"...
وهذه الفئة قد تأتي ب"قيمة مضافة" لمستقبليها الجدد. فهذا ما تعول عليه الأحزاب التي يترشحون أو يعملون تحت رايتها عوضا منهم عمَّا لم يحصلوا عليه في منظماتهم السياسية السابقة.
ويبقى السؤال مطروحا: ما نوع "القيمة المضافة" المنتظرة من "المغاضبين"؟ هل تتعلق بتجديد الخطاب السياسي وآلياته؟ أم أنها ستنتهج طرق وأساليب العمل على الساحة السياسية التقليدية: القبلية، الجهوية، الشرائحية...؟
المؤشرات المتوفرة لحد الآن لا تشير إلى أننا بصدد حملة سياسية مغايرة كثيرا لسابقاتها: لا في العارضة التي تدعي التجديد، ولا في الموالاة، ولا لدى "المغاضبين" من أي من الطرفين.
والغريب أن البقاء على هذا الروتين لا يعود إلى كون المادة مفقودة لمن أراد إدخال شيء جديد على الخطاب السياسي.
"فالمغاضبون"، والمترشحون- جددا كانوا أم غير جدد- لديهم ما يقولونه للناخبين إن هم أخذوا على عواتقهم التحديات التي يواجهها البلد، وخاصة تلك التي غابت لحد الآن- وتغيب دائما- من حسابات ساستنا المحليين وقادة الرأي في مجتمعنا. وعلى رأس الملفات الغائبة في حملاتنا وبرامجنا في هذا النوع من الانتخابات المسائل المتعلقة بالتحديات الأمنية وبالتغير المناخي وصيانة الوسط البيئي.
صحيح أن الموضوعين كانا حاضرين بقوة في برنامج رئيس الجمهورية الانتخابي وفي عمل الحكومة ونشاطات الدولة على المستوى المركزي والقطاعات الوزارية. وتم فعلا- ويتم باستمرار- تحقيق إنجازات هامة على الساحتين سنكتفي بذكر مثال واحد منها: يشيد العالم بما حققته موريتانيا في مجال محاربة الإرهاب. وكلنا نعيش نتائجه على أرض الواقع. لكن كم منا يعلم ويقيم ما يجري على ساحة الكفاح ضد الفكر المتظرف؟ كم منا قرأ كتيب " الخطاب الديني البديل لخطاب التطرف" (الصورة)؟ لقد تم انجاز هذا الخطاب منذ يوليو تحت إشراف الدولة الموريتانية. وهو موضوع طلب كبير من طرف دول صديقة وشركاء أجانب رغم كونه قابل للتحسين: كأي عمل بشري فهو لا يخلو من النواقص. وعلى ساستنا المحليين أن يبثوه في أوساط الشباب ويعملوا على تحسينه.
فيجب أن لا يغيب أبدا عن بالنا أن التعاطي السليم مع هذا النوع من المواضيع يستدعي إشراك المواطنين بصورة واعية ومثمرة، بوصفهم فاعلين من الدرجة الأولى على الخطوط الأمامية لمحاربة خطابات التطرف العنيف والغلو ولمكافحة التغير المناخي ومخلفاته ولصيانة البيئة.
فرجاؤنا أن تنال المواضيع الأمنية والبيئية قسطا وافرا من الحملة الانتخابية التي يجري إعدادها الآن لتنطلق رسميا في ظرف أسبوع على عموم التراب الوطني. ونعلق آمالا كبيرة في هذا الصدد على كل من لهم إرادة في إدخال قيمة مضافة على الخطاب والنشاطات السياسية التي تتبلور وتتطور بهذه المناسبة؛ فهذه فرصة يجب ألا تفوت كل من يطمحون إلى التجديد السياسي، "مغاضبين" كانوا أو موافقين.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)