تعرض المسلمون في الأندلس إلى آخر محنة في عام 1609 باجتثاثهم من إسبانيا نهائيا وطردهم منها بعد أكثر من قرن من أهوال محاكم التفتيش.
في إسبانيا الكاثوليكية في القرن السادس عشر، كان ينظر بريبة وشك إلى المسلمين الذين أجبروا على اعتناق المسيحية وكانوا يسمون في ذلك الوقت "المورسكيين".
الجميع من الحاشية الملكية إلى أساقفة الكنيسة إلى عامة الناس، كانوا يعتبرون "المورسكيين" كفارا، وأن وجودهم ذاته إهانة للرب.
لقرون عاش المسلمون المغاربة جنبا إلى جنب مع المسيحيين في إسبانيا منذ قرون، بما في ذلك بعد فترة ما يعرف بالاسترداد وتعاظم تأثير الكنيسة الكاثوليكية.
علاوة على ذلك، سمح الوضع القانوني للمورسكيين في مناطق قليلة بمواصلة ممارسة شعائرهم الإسلامية ومراعاة تقاليدهم.
الوضع تغير في عام 1492 بشكل جدري بعد سقوط غرناطة، آخر إمارة إسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية.
بعد قرون من الإشعاع الحضاري الإنساني والإبداع في جميع المجالات في الأندلس، انطفأ مشعل الحضارة الإسلامية ولم تعد كما وصفها الشاعر لسان الدين بن الخطيب في قصيدته الشهيرة:
"جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصلِ بالأندلس".
حصل ذلك على الرغم من أن شروط الاستسلام وتسليم المدينة قضت بضمان حق السكان المحليين في اعتناق دينهم، حيث سارعت الكنيسة الكاثوليكية إلى الضغط كي يتحول المغاربة إلى المسيحية.
تسبب الاضطهاد الديني وانتهاكات الاتفاقيات السابقة في ثورة عارمة قام بها مسلمو إسبانيا في عام 1499.
بعد ان قمعت تلك الانتفاضة اليائسة بعنف دموي، وضع الملكان الكاثوليكيان فرديناند وإيزابيلا المغاربة أمام خيار وحيد، التحول إلى المسيحية او مغادرة إسبانيا.
أولئك الذين قرروا البقاء مقابل اعتناق المسيحية أصبح يطلق عليهم اسم "المورسكيين"، فيما تم في عام 1526، حظر الإسلام في جميع أرجاء إسبانيا.
التحول إلى المسيحية الكاثوليكية لم يوقف الاضطهاد عن مسلمي الأمس. تمسك هؤلاء بهويتهم الثقافية، وواصلوا سرا ممارسة شعائرهم الإسلامية.
في البداية غضت السلطات الإسبانية الطرف عن مسيحيتهم الشكلية ورفضهم التخلي عن هويتهم الثقافية والدينية. ويرجع ذلك لسبب اقتصادي، فقد كان للمورسكيين مساهمة كبيرة في النشاط الاقتصادي للبلاد علاوة على انتظامهم في دفع الضرائب.
بتحريض منهجي من الكنيسة، تصاعد بالتدريج سخط الإسبان في ذلك الوقت على بقايا المسلمين ببلادهم، وانتهى الأمر بإصدار الملك فيليب الثاني في عام 1567 مرسوما حظر بموجبه اللغة العربية وحتى تقاليد المورسكيين بما في ذلك ألبستهم.
السلطات الإسبانية اتهمت المسلمين بجميع الشرور، بما في ذلك التواطؤ مع أعداء إسبانيا، البروتستانت الفرنسيين والقراصنة البربر والأتراك. وكان رد الفعل على ذلك المرسوم انتفاضة جديدة مضرجة بالدماء.
بنهاية المطاف، بلغت تلك المخاوف ذروتها من العدو المحتمل في عام 1609، حين أصدر الملك فيليب الثالث مرسوما قضى بطرد المورسكيين من الأراضي الإسبانية. بموجب ذلك المرسوم فر 300 ألف من هؤلاء للنجاة بحياتهم.
تخلصت السلطات الدنيوية والدينة من عدو مفترض، وضربت عصفورين بحجر واحد، حيث أصبحت البلاد خالصة للكاثوليك، وتمت مصادرة ممتلكات المنفيين المورسكيين!
بهذه الطريقة ظن الإسبان أنهم يحلون المشاكل التي نجمت عن انكماش اقتصادي عصف بهم في عام 1604، ونجمت عن انخفاض كبير مستوى إنتاج الذهب في المستعمرات الإسبانية في العالم الجديد، ودفع المسلمون "المورسكيون" من دون ذنب ثمنا غاليا هذه المرة أيضا.
المصدر: RT