بقلم: د. دلال صائب عريقات
في الأيام الأخيرة ظهر استياء الولايات المتحدة من حكومة نتنياهو جلياً.
فالمشهد الذي تقدمه حكومة نتنياهو هو عبارة عن موجة عارمة من التنافس السياسي انعكس في الأزمة الدستورية والتراجع عن القيم المشتركة مع امريكا وسياسة الاستيطان الحكومية والتصريحات العدائية بشأن إيران، كل أشكال الوضع الراهن في الشارع الاسرائيلي تشكل سيناريو انهيار ذاتي لهذه الدولة من جهة، ومن جهة أخرى تضعف ثقة حلفائها بها وأولهم واشنطن.
سيناريو الانهيار الذي أوجدته حكومة نتنياهو لا يقتصر على ما نشهده من سياسات وتعديلات ومظاهرات داخلية، وإنما يشمل سياسة هذه الحكومة المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني وأرضه من عمليات الإعدام، حيث وصل عدد الشهداء منذ بداية العام اكثر من 90 . أما قرارات مصادرة الأراضي فهي مستمرة لتشريع مستوطنات جديدة بشكل ممنهج ومنظم ومُشرع في الكنيست، التعديلات التي ادخلتها هذه الحكومة من خلال التشريع تجاوزت كل التوقعات من الدستور والقضاء والفساد الى رفع الحظر لعودة المستوطنين لمستوطنات تعتبر غير قانونية في الضفة الغربية.
تسعى ادارة بايدن جاهدة لتهدئة الوضع، وقد شجبت الإجراء الاستيطاني الأخير من خلال استدعاء السفير الاسرائيلي في واشنطن في خطوة غير مسبوقة واستجوبته بخصوص رفع إسرائيل الحظر المفروض على عودة المستوطنين إلى أربعة بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية، هذه خطوة مهمة، إلا أن الأهم ان أعضاء مجلس الشيوخ الامريكي باتوا قلقين من ضعف امريكا أمام غطرسة اسرائيل وباتوا قلقين من استمرار التصريحات الامريكية المنمقة من دون اي اجراءات عقابية عملية. من الطرف الإسرائيلي هناك من هو قلق بشأن الانتقادات الأميركية لمشروع قانون إلغاء "فك الارتباط"، وتوبيخ السفير الإسرائيلي في واشنطن مايك هرتسوغ، الا انهم دائمًا في طمأنينة، فهذه مجرد خلافات في الرأي بشأن المستوطنات، لكن التفاهمات بين البلدين اكبر بكثير وهذا ما تجسد في شرم الشيخ.
بالرغم من انه من الصعب تخيل السيناريو الذي تغضب فيه الولايات المتحدة من حليفها الاكبر اسرائيل إلا أن الولايات المتحدة غاضبة من حكومة نتنياهو على أقل تقدير لسببين رئيسين:
- حكومة نتنياهو تقلل من شأن إدارة بايدن في العديد من الملفات التي تخص حقوق الانسان والاستيطان والقدس والعلاقات الإقليمية والدولية فيما يخص إيران وروسيا.
- حكومة نتنياهو تشكل تهديدا على الديمقراطية الاسرائيلية والقيم المشتركة التي تباهي بها امريكا في الحديث عن تحالفها مع اسرائيل.
لا نستطيع التخفيف من اهمية ما شهدناه من استدعاء السفير الاسرائيلي في واشنطن وتوبيخه، الا ان الحقيقة ان أمريكا قد تغضب فعلاً من نتنياهو وحكومته، الا انها لا تغضب من إسرائيل ولكن تغضب من أجل اسرائيل التي تسعى لاستدامة بقائها وتفوقها في المنطقة، ولهذا سنرى العديد من الجماعات الصهيونية الامريكية القلقة على مستقبل وجود اسرائيل تتدخل وتنتقد حكومة نتنياهو لأبعد الحدود خوفاً من تقويض حلم الدولة وسيناريو الانهيار الذاتي الذي قد تجلبه حكومة نتنياهو في منافستها العشوائية المتطرفة العنصرية.